ونود هنا أن نطرح عدة تساؤلات هي: هل كان الموقف البلشفي والسوفيتي المبدئي ينبع من اعتبارات عقائدية أم أنه كان وليد الاعتبارات العملية وحدها؟ وهل يُعتبَر إصرار السوفييت على أنه لا يُوجَد شعب يهودي، ثم إصرارهم أيضاً على أن يهود اليديشية لا يُشكِّلون قومية سلافية وكذلك طرحهم الاندماج كنوع من الحل، إصراراً نابعاً من النسق الماركسي أو هو حل نابع من الواقع العملي الروسي السوفيتي؟ نحن نميل إلى الاعتقاد بأن التطورات اللاحقة ترجح أن كلاًّ من الاعتبارات العملية والتقاليد السياسية الروسية القيصرية هي التي قررت مسار القضية، كما نرى أن سياسة البلاشفة تجاه يهود الاتحاد السوفيتي امتداد للسياسة القيصرية الشمولية التي كانت تهدف إلى دمج وتذويب أعضاء الجماعة اليهودية باعتبارهم عنصراً غريباً ثقافته ألمانية وولاؤه مشكوك فيه، فألمانيا هي عدو روسيا الأكبر. وهناك من القرائن ما يشير إلى أن مشروع توطين اليهود في شبه جزيرة القرم قد استُبعد بعد البدء فيه نظراً لقرب القرم من ألمانيا، وأنه نُقل إلى بيروبيجان بعيداً عن أي مركز جذب أوربي. ولكن، مع بداية الأربعينيات، وتصاعُد النفوذ النازي الذي كان يشكل تهديداً قوياً للدولة السوفيتية، بدأت الاتصالات بين السوفييت والصهاينة، وشُكِّلت في بداية الأمر لجان يهودية لمناصرة السوفييت ولمناهضة الفاشية. وفي عام ١٩٤٣، وضمن إطار الاستعدادات للتسوية النهائية لعالم ما بعد الحرب، بدأ السوفييت يتحدثون في إطار أن المشكلة اليهودية ستصبح مشكلة عالمية ملحة مع نهاية الحرب، لا مجرد مشكلة ألمانية أو حتى مشكلة غربية. ومن ثم، فلابد أن يحددوا موقفهم منها بوضوح وفي إطار عالمي.