وأغلب التساؤلات السابقة تجد أن من الغريب وجود اليهود الأجانب والمتمصرين على رأس التنظيمات الشيوعية في مصر خلال الأربعينيات. وتلقى بعض التفسرات المطروحة قدراً من الضوء على العوامل التي قد تكون وراء ذلك. ولا يمكن تفسير هذه الظاهرة بشكل موضوعي دون أن يُؤخَذ في الاعتبار وضع الجاليات الأجنبية في مصر بشكل عام وأعضاء الجماعة اليهودية بشكل خاص، وذلك داخل إطار التحولات الخارجية الجارية على الساحة الدولية والتحولات والتفاعلات الداخلية الجارية في النسيج الاجتماعي والسياسي للمجتمع المصري في هذه الحقبة التاريخية.
وبدايةً، نجد أن أغلب الجاليات الأجنبية، خصوصاً الطبقة البورجوازية منها، بحكم وجودها على هامش المجتمع المصري وابتعادها عن الحركة السياسية المصرية وعدم اهتمامها بها، كانت أكثر ارتباطاً بما يجري في أوربا. ولذلك، فإننا نجد أن كل الجاليات الأجنبية في ذلك الحين، كما يشير مصطفى طيبة، كانت تزخر باتجاهات وتيارات فكرية متعددة تُعتبَر انعكاسات لما كان يجري في أوطانها الأصلية (بما في ذلك الاتجاهات الاشتراكية بمدارسها المختلفة، والليبرالية، بل الفاشية والنازية أيضاً) . ومع أن نشاط هذه الاتجاهات كان منحصراً داخل أفراد كل جالية، فإن ذلك لم يَحُل دون ظهور تنظيمات تضم أجانب من جنسيات مختلفة، ولذلك نجد أن أكثر العناصر اليهودية التي اعتنقت الفكر الماركسي كانوا أبناء البورجوازية والجامعات الفرنسية ممن تلقوا تعليمهم في المدارس الثانوية الفرنسية والجامعات الفرنسية، ومن ثم ارتبطوا ثقافياً ووجدانياً بفرنسا وتأثروا، كما يقول لنا كورييل نفسه، بالنضال الأوربي (وخصوصاً بانتصار الحزب الشيوعي الفرنسي والجبهة الشعبية في انتخابات ١٩٣٦) ، كما تأثروا بالحركة الشيوعية الدولية أكثر من العناصر المصرية، وبتجربة الاتحاد السوفيتي وبأدائه خلال الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً في معركة ستالينجراد.