ومما سبق، تتضح بعض العوامل التي تُفسِّر نشأة التنظيمات الشيوعية في مصر على أيدي عناصر أجنبية يهودية بشكل خاص. وكان لهذه النشأة ولا شك آثار على طبيعة هذه التنظيمات وسياستها من أهمها تأكيد وتضخيم مفهوم الأممية على حساب المفهوم القومي والخضوع لتقديرات الوطن الاشتراكي الأول (الاتحاد السوفيتي) . وقد يُفسِّر ذلك موقف كورييل وحدتو من قضية فلسطين (وإن كان يجب الأخذ في الاعتبار أن التنظيمات الشيوعية الأخرى، تحت قيادة عناصر يهودية أيضاً، قد رفضت قرار التقسيم) ، بالإضافة إلى أن كورييل ظل حتى آخر حياته متمسكاً بوجود قومية إسرائيلية وبحق إسرائيل في الوجود الآمن. ولا شك أيضاً في أن ثقافة كورييل الأجنبية، وكذلك ثقافة غيره من الماركسيين الأجانب ونشأتهم على هامش المجتمع المصري وفي عزلة عنه، حال دون صياغة نظرية مصرية لتفسير وتغيير المجتمع المصري العربي، نظرية تستند إلى إدراك حقيقي ودقيق لواقع هذا المجتمع بتفاصيله وتناقضاته وخصوصيته، الأمر الذي نتجت عنه سلسلة من الأخطاء السياسية وما صاحبها من انقسامات وتشرذم.
ورغم علامات الاستفهام التي ظلت تطارد هنري كورييل طوال حياته، فقد ساهم بشكل فعال (كما يذكر د. رؤوف عباس) في أن أصبح الفكر الاشتراكي والماركسي مطروحاً بشكل أكثر إلحاحاً على الساحة السياسية المصرية، وفي إعداد الكوادر المصرية من العمال والمثفقين الذين كانت لهم إسهامات مهمة في الحركة الشيوعية المصرية، وفي تأسيس أكثر التنظيمات الشيوعية المصرية استمراراً وأوسعها قاعدة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحركة الشيوعية المصرية كانت لها إسهاماتها الثرية في المجال الفكري والثقافي والسياسي المصري، ولعبت دوراً بارزاً في حركة التحرر الوطني ضد الاستعمار. وكما يذكر طارق البشري، فإن الحركة الشيوعية قد أغنت السياسات الوطنية بمفاهيم جديدة تتعلق بالمضمون الاجتماعي لحركة التحرر الوطني وبالتصنيف الطبقي للمجتمع وتأكيد أولوية التحرر الاقتصادي والسياسي من الاستعمار.