وتشير معظم الكتابات التي تتناول أعضاء الجماعات اليهودية إلى «الثقافة اليهودية» ، و «التراث اليهودي» ، و «الموروث اليهودي» . وهذه المُصطلَحات، شأنها شأن مُصطلَحات الاستقلال اليهودي الأخرى، مثل «التاريخ اليهودي» و «القومية اليهودية» ، تفترض أن الجماعات اليهودية في العالم ذات حضارة يهودية مستقلة وثقافة يهودية مستقلة وتراث يهودي مستقل عن حضارة وثقافة وتراث المجتمعات التي يُوجَد أعضاء الجماعة اليهودية فيها، وأن إسهامات اليهود الحضارية المختلفة سواء في بابل في العصور القديمة أو في فلسطين في العصور الوسطى في الغرب أو في بولندا والهند والصين في القرن السادس عشر أو في ألمانيا في القرن التاسع عشر أو في الولايات المتحدة واليمن في القرن العشرين، ورغم تنوُّعها الحتمي والمُتوقَّع، تُعبِّر عن نمط واحد (وربما جوهر يهودي) . ويستند مفهوم الإثنية اليهودية (وهو مفهوم صهيوني أساسي) إلى افتراض وجود مثل هذه الثقافة المستقلة. بل يُلاحَظ أن الصهاينة أسقطوا المفهوم العرْقي للهوية اليهودية ويؤكدون بدلاً من ذلك البُعد الثقافي (الإثني) لهذه الهوية.
ومفهوم الهوية الإثنية المستقلة تعمَّق حتى تغلغل تماماً في النسق الديني اليهودي ذاته. فاليهودية المحافظة، على سبيل المثال، تدور حول مفهوم التاريخ اليهودي والثقافة اليهودية. وقد أسَّس المفكر الديني الأمريكي اليهودي مردخاي كابلان فرقة يهودية تُسمَّى «اليهودية التجديدية» تستند إلى الإيمان بالحضارة اليهودية والثقافة اليهودية والتراث اليهودي، وإلى أن هذا التراث شيء مقدَّس يشغل المكانة نفسها التي شغلها الخالق في التفكير الديني اليهودي التقليدي. وغني عن القول أن المشروع الصهيوني بأسره يستند إلى رفض الأساس الديني الغيبي للهوية اليهودية ويُحل محلها فكرة الثقافة اليهودية المستقلة.