لا توجد إذن ثقافة يهودية مستقلة، عالمية، تُعبِّر عن وجدان أعضاء الجماعات اليهودية وسلوكهم وإنما تُوجَد ثقافات يهودية مختلفة باختلاف التشكيل الحضاري الذي يُوجَد أعضاء الجماعات اليهودية داخله. ولذا يجدر بنا أن نتحدث عن ثقافة غربية يهودية أو ثقافة عربية يهودية، وبذا نخفض من مستوى تعميمنا حتى يتلاءم مع الظاهرة التي ندرسها. ولكننا لو فعلنا ذلك فإننا سنكتشف، على سبيل المثال، أن الثقافة العربية اليهودية هي، في نهاية الأمر، جزء من الثقافة العربية، ولا تُوجَد ملامح يهودية خاصة إلا في بعض الموضوعات وبعض المضامين المختلفة إذ تظل البنية العامة بنية عربية. ولنضرب مثلاً بيعقوب صنوع (أبو نظارة) أحد رواد المسرح والصحافة الساخرة في مصر. إن يهوديته لا يمكنها أن تُفسِّر أدبه وفكره وحبه للفكاهة، فهذه أمور مصرية صميمة. ولتحاول على سبيل التجربة أن تُفسِّر سيرة حياته الشخصية والفكرية أو قصة النجاح اليهودية في الولايات المتحدة أو عنصرية يهود جنوب أفريقيا في إطار الجيتو اليهودي في شرق أوربا، لو فعلت ذلك لاكتشفت مدى عجز مثل هذا النموذج التفسيري الذي يفترض وجود ثقافة يهودية واحدة عالمية. وقل الشيء نفسه عن الفنان المصري داود حسني، فهو ملحن وموسيقي مصري يهودي ويُقرَن اسمه بموسيقيين من أمثال سيد درويش وكامل الخلعي حيث لعب دوراً بارزاً في نهضة الموسيقى في مصر وفي إثرائها في العقود الأولى من القرن العشرين. وتقوم الإذاعة الإسرائيلية بالإشارة إلى داود حسني باعتباره موسيقاراً يهودياً، وهو أمر يستحق التأمل دون شك إذ أننا لو حاولنا البحث عن أي بُعد يهودي في موسيقاه لأعيتنا الحيلة.