ولذا، فإن التعريف الصهيوني للهوية اليهودية الذي ينطلق من الثقافة (أي التعريف الإثني) تعريف عار من الصحة، تماماً مثل التعريف العرْقي. وربما تُبيِّن الصورة العامة في إسرائيل الآن أن أسطورة الثقافة اليهودية هي من قبيل الأكاذيب العقائدية الصهيونية العديدة. فاللغة الأمهرية التي يتحدث بها الفلاشاه، والجعزية التي يتعبدون بها، هي لغات ربما لم يسمع بها الإسرائيليون، تماماً كما لم يسمع الفلاشاه من قبل بالعبرية أو اليديشية.
والنموذج التفسيري الصهيوني بافتراضه وجود ثقافة يهودية واحدة مستقلة يخلق مشكلات لا حصر لها في عملية تعريف من هو المثقف اليهودي، فلا يوجد نمط واحد لتناول المثقفين أو الأدباء اليهود الموضوعات اليهودية. فهناك من يتناول الموضوعات اليهودية من منظور يهودي ما (مثل مائير لفين) ، ولكن هناك أيضاً من يتناولها من منظور معاد لليهود (مثل ناثانيل وست) ، وثمة فريق ثالث يتجاهل الموضوع اليهودي تماماً في كل كتاباته أو في معظمها (مثل ليونيل ترلنج) ، وهناك فريق رابع يتناول الموضوع اليهودي ولكنه يضعه في سياق إنساني عام ويرى أن غربة اليهودي الحادة إن هي إلا تعبير عن أزمة الإنسان (العلماني) الحديث (كما يفعل وودي ألين وإيزاك بابل) . وهذا التنوع يجعل من العسير إطلاق اصطلاح «مثقف يهودي» على كل هؤلاء. وفي عام ١٩٨٩، صدر كتاب بعنوان ذا بلاكويل كومبانيون تو جويش كلتشر The Blackwell Companion to Jewish Culture (أي دليل بلاكويل للثقافة اليهودية) . لكن هذا المعجم لا يضم سوى أسماء المثقفين اليهود داخل التشكيل الحضاري الغربي، ويستبعد كل المثقفين اليهود الشرقيين، مثل يعقوب صنوع وغيره. ولعل محرري هذا المعجم قد فعلوا ذلك ليفرضوا نوعاً من الوحدة عليه. ولكن الوحدة في هذه الحالة هي وحدة غربية وليست يهودية.