٣ ـ يُلاحَظ أن التراث التلمودي وكتب التفسيرات الضخمة (الشريعة الشفوية) التي تحاول أن تحتفظ لليهودية بهويتها، لم تكن معروفة عملياً للعامة من أعضاء الجماعات اليهودية. وكانت هذه الكتب، أو على الأقل الرؤى التي تتجسد من خلالها، تؤثر بغير شك في سلوك اليهودي. لكن هذا التأثير لم يكن يماثل، بأية حال، أثر التراث الحضاري لبلدهم الذي يتفاعلون معه ويبدعون من خلاله ويدورون في إطاره ويدركون العالم ككل من خلاله. وعلى كلٍّ، لا يمكن فصل الشريعة الشفوية ذاتها عن سياقها الحضاري، وقد ازداد اليهود جهلاً بهذه الكتب في العصر الحديث.
٤ ـ يُلاحَظ أن جوانب كثيرة من الرسالات العامة للعهد القديم من تعظيم للخالق الواحد الذي لا تدركه الأبصار والمتجاوز للطبيعة والتاريخ المتعالي عليهما، والوصايا العشر، والروح العامة للأنبياء العبرانيين، والأمثال والمزامير، أصبحت جزءاً من التراث الديني المسيحي، أي أنها لم تَعُد مقصورة على اليهود حيث تداخل الموروثان اليهودي والمسيحي. ويمكن هنا أن نطرح ما يمكن تسميته «إشكالية فيلون» ، فقد كان يهودياً منبت الصلة إلى حدٍّ كبير بالثقافة العبرية الآرامية، وحاول صبغ العقيدة اليهودية بصبغة إغريقية، ولكنه لم يترك أي أثر في تطور اليهودية اللاحق في حين تأثرت به العقيدة المسيحية أيما تأثر، فهل يُعَدُّ فيلون، إذن، جزءاً من الموروث المسيحي أم يُعَدُّ جزءاً من الموروث اليهودي؟