للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتقل بيسارو عام ١٨٦٩ إلى مدينة لوفيسين وكان مونيه ورينوار يعيشان بالقرب منه، وكان جميعهم قد بدأوا تجاربهم في الرسم في الخلاء وبلورة أفكارهم التي أصبحت الأساس النظري للمدرسة الانطباعية. ومع اندلاع الحرب الفرنسية البروسية، اضطر بيسارو إلى أن يرحل هو وأسرته إلى إنجلترا، وعند عودته عام ١٨٧١ وجد أن كل أعماله الفنية التي رسمها عبر الخمسة عشر عاماً السابقة دُمِّرت أو سُرقت، ولكن هذا لم يَفُت في عضده.

انتقل عام ١٨٧٢ إلى بونتواز واستقر هناك حيث رسم كثيراً من لوحاته والتي بلور من خلالها لغته الخاصة والتي تُعبِّر في الوقت نفسه عن الأفكار الأساسية للمدرسة الانطباعية ولغتها الفنية. ويمكن القول بأن الانطباعية هي الحقيقة الأساسية في حياة بيسارو الفنية والشخصية، ولذا يكون التعريف بها هو التعريف بفكره ولغته الفنية. والمدرسة الانطباعية تُعبِّر عن استجابة عدد من الفنانين الفرنسيين للحقائق السياسية والاقتصادية والاتجاهات الفلسفية والعلمية في عصرهم. ثار مؤسسو هذه المدرسة على التقاليد الأكاديمية والاتجاهات الواقعية والرومانسية، وحاولوا أن يُدخلوا على الفن دقة العلوم الطبيعية ومناهجها (تمركز حول الموضوع) ، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يؤمنون بأن الواقع متغيِّر وأنه لا يبقى منه إلا ما ينطبع على مخيلة المدرك (تمركز حول الذات) . وفنهم هو مزيج من هذين القطبين المتنافرين. حاول أتباع هذه المدرسة أن ينقلوا إلى لوحاتهم الجوانب المتغيِّرة للواقع المرئي بسرعة خاطفة كما تنعكس على وجدان الرسام في لحظة محدَّدة من خلال مواجهة مباشرة مع الطبيعة وتفاعُل إيجابي معها دون أية حواجز أو وسائط. ولذا، هجروا المراسم ليسجلوا انطباعاتهم المرئية المتغيِّرة في الخلاء لإبراز أثر الضوء على الألوان وتسجيله مباشرة وبسرعة حتى لا يتأثر الانطباع المباشر بتحركات الضوء المستمرة. ورسموا لوحاتهم بضربات الريشة اللونية السريعة وقاموا

<<  <  ج: ص:  >  >>