بقيت مشكلة أخيرة، وهي أن هذا المبنى رغم تفرُّده لابد أن يكون جزءاً من مباني المتاحف في واشنطن. وقد تقدَّم المهندس المصمم برسومات المعرض للجنة الفنون الجميلة التي تراقب المعمار في واشنطن، ولكنها رفضته؛ إذ وجدته يؤكد رسالته بشكل جازم أكثر من اللائق. بل إن بعض أعضاء اللجنة ألمحوا إلى أن مثل هذا المتحف لا ينتمي إلى عاصمة الولايات المتحدة لأن الإبادة النازية ليست جزءاً من تاريخ أمريكا، وذلك إلى جانب أنها تجربة مؤلمة. ولكن، تم التغلب على هذا الاعتراض الأخير بالإشارة إلى الحائط التجريدي الذي صممه مايا يانج لين لضحايا حرب فيتنام، فهو نصب تذكاري سيُذكِّر المشاهدين بلحظة تاريخية محزنة. وتمت في نهاية الأمر، الموافقة على تصميم المبنى بعد تعديله، وهو يمتد من شارع ١٤ إلى شارع ١٥ شرقي طريق الاستقلال ليكون بين مبنيين، أحدهما على الطراز الكلاسيكي والآخر على الطراز الفكتوري.
وهنا أثيرت قضية واجهة المعرض، ودار الحوار لا في إطار جمالي محض، وإنما في إطار معرفي عميق. فواجهة المعارض الموجودة في المول Mall تتبع في معظم الأحيان الطراز النيوكلاسيكي، وهو طراز يحاكي بشكل واع المعمار اليوناني الروماني الوثني، أي أنه يشكِّل عودة إلى الحضارة الوثنية التي سبقت عصور الظلام المسيحية، وهي حضارة سادت فيها قيم العقل والتوازن دون غيب أو أساطير، ولذا فإن المعمار يتسم بالبساطة والجلال. وقد كان مؤسسو الجمهورية الأمريكية مغرمين بهذا الطراز، ولذا نجد أن جيفرسون أسس منزله في مونتشيلو على نفس الطراز، وكانت معظم مباني واشنطن حتى عهد قريب تتبع هذا النمط.