ويعتقد الكثيرون، بناء على المنطق والملاحظة المباشرة، أن إنشاء متاحف الإبادة في الولايات المتحدة هو مؤشر آخر على الهيمنة الصهيونية واليهودية. ولكن من المفارقات أننا لو تعمقنا بعض الشيء لاكتشفنا شيئاً مدهشاً ومغايراً تماماً لما نتصور، فمما لا شك فيه أن هذا المتحف تعبير عن قوة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة. ولكن هل هذا يعني بالضرورة تعاظُم قوة إسرائيل؟ إن الربط الذي يقوم به العقل العربي بين النفوذ اليهودي والنفوذ الإسرائيلي هي عملية منطقية لا علاقة لها بالواقع المتعيِّن. فقد اعترضت الصحف الإسرائيلية على إقامة هذا المتحف وبقوة. وفي إسرائيل يوجد ضريح ياد فاشيم (النصب والاسم) الذي أُقيم لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة. وقد أصبح هذا النصب المزار الأساسي الذي يتعيَّن على كبار الزوار زيارته حينما يذهبون إلى إسرائيل. ويرى المستوطنون الصهاينة أن إسرائيل هي المركز القومي والحضاري والمعنوي ليهود العالم الذين يُشكِّلون بالنسبة لها مجرد الهامش أو الأطراف، ومن ثم لابد أن يظل المزار الأساسي للشعب اليهودي في الوطن القومي. ولذا، فإن إقامة متحف لإحياء ذكرى الإبادة النازية على هذا المستوى في عاصمة الولايات المتحدة، وآخر في لوس أنجلوس، يُشكِّل تحدياً لوجهة النظر الصهيونية، ويُشكِّل محاولة من جانب يهود الولايات المتحدة لخلق مسافة بينهم وبين المستوطَن الصهيوني ليزيدوا قوة استقلالهم. ومن ثم، فإن متاحف الإبادة قد تكون تعبيراً عن مدى قوة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، ولكنها لا تُشكِّل تعاظماً للنفوذ الصهيوني وإنما تحدياً له.