ومن الواضح أن هذا المتحف يجابه مشكلة هوية حقيقية، فالمتحف الأول يضم أعمالاً فنية ليست بالضرورة يهودية، كما أن تلك الأعمال التي صُنِّفت باعتبارها يهودية هي أعمال صاغها فنانون يهود واتبعوا فيها تقاليد فنية من مختلف الحضارات. وإن كان هناك جزء يخص الفن الإسرائيلي، فإنه لابد أن يكون فناً إسرائيلياً وليس فناً يهودياً عاماً. وعلى كلٍّ، فإن مثل هذا الفن لم يظهر إلى حيز الوجود بعد. أما المتحف الثاني، الذي يضم آثار فلسطين عبر العصور، فإنه سيتعامل مع تاريخ غير يهودي، فالوجود اليهودي في فلسطين لا يتجاوز بضع مئات من السنين بينما يمتد تاريخ فلسطين آلاف السنين. فقبل وصول العبرانيين كان هناك الكنعانيون، كما أن الفلستيين وصلوا مع العبرانيين، وقبل القرن الأول الميلادي كانت العناصر غير اليهودية في فلسطين تتزايد، وكان اليهود يهاجرون منها إلى كثير من مدن البحر الأبيض المتوسط.
وازداد انتشار اليهود بعد تحطيم تيتوس للهيكل، وبعد دخول فلسطين في التشكيل الحضاري البيزنطي ثم الإسلامي بدءاً من عهد عمر بن الخطاب وحتى العهد العثماني. فأي عرض لتاريخ فلسطين سيؤكد هوية فلسطين التاريخية المُركَّبة، وإذا كان لنا أن نؤكد مرحلة تاريخية على حساب أخرى، فأعتقد أن المرحلة الإسلامية هي أهمها على الإطلاق وليست المرحلة العبرانية. فالإسلام لا يزال هو الماضي الحي، أي الماضي المستمر في الحاضر، ومعظم سكان فلسطين من المسلمين، والمعجم الحضاري السائد هو المعجم الإسلامي. ولكننا لسنا في مجال الاختيار أو الدفاع عن القضية العربية، وإنما نود فقط أن نُبيِّن أحد جوانب الورطة التي يمكن أن تجابه من يحاول تشييد متحف يهودي.