تَشكَّل من خلال البيئة الفكرية والاجتماعية في أوربا في القرن الثامن عشر وتَصاعُد معدلات العلمنة التي عبَّرت عن نفسها في المراحل الأولى من خلال الفكر الماسوني.
ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن الاهتمام القومي العلماني بالأرض، فقد يقول البعض إن هذا يعود إلى أسفار موسى الخمسة حيث يرتبط الإله بشعبه وبأرضه ارتباطاً عضوياً حلولياً، وإن الفكرة وجدت طريقها إلى العلمانية الحديثة من خلال العهد القديم وأعضاء الجماعات اليهودية، وكأن الفكرة كيان مادي ينتقل كالبضاعة من مكان إلى آخر مع أن الأرض هي إحدى المفردات الأساسية في الخطاب الحلولي الذي يشكل العهد القديم أحد تجلياته وحسب إذ أن فكرة الأرض المقدَّسة (ككيان يحتوي داخله على القداسة) تُوجَد في معظم الوثنيات القديمة وفي كثير من المعتقدات الشعبية. وقد يكون من الأفضل أن نرى أن الحلولية نموذج كامن في الخطاب الإنساني يُعبِّر عن رغبة الإنسان الدفينة في العودة إلى الأرض واختزال الواقع تماماً، وهو نموذج تتولَّد منه مفردات أساسية مختلفة ويُعبِّر عن نفسه من خلال تجليات مختلفة (القبَّالاه اليهودية ـ القبَّالاه المسيحية) ، وأن هذا النموذج تحوَّل تدريجياً من الصياغات الدينية داخل وحدة الوجود الروحية إلى الصياغات المادية داخل وحدة الوجود المادية، وأن تَحوُّله هذا هو نفسه ظهور العلمانية الحديثة.
ونحن، إن تخلينا عن النموذج التوليدي في التفسير، سنلاحظ أن هناك مجموعة من الأفكار المتشابهة يتداولها أعضاء الجماعات اليهودية، فنجد أنفسنا نتجه نحو التفسير التآمري إذ نرى أن اليهود أينما كانوا يقومون بدس نفس الأفكار ونشرها والترويج لها فنظن أنها مؤامرة عالمية كبرى دون أن ندرك أن الصينيين ـ على سبيل المثال ـ حينما يوضعون في نفس الوضع كثيراً ما يؤكدون نفس الأفكار ويسلكون نفس السلوك.