ولفَهْم فيلم «قائمة شندلر» حق الفهم لابد أن نضعه في سياقه الحقيقي، وأهم عناصر هذا السياق أن مخرج الفيلم سبيلبرج هو أمريكي يهودي (وليس يهودياً أمريكياً) مندمج تماماً، أي أنه من «اليهود الجدد» ، تمييزاً لهم عن يهود أوربا، فتجربتهم الحضارية مختلفة عن تجارب يهود أوربا، فهم لم يعرفوا الجيتو ولا التخصص المهني أو الوظيفي. فقد نشأ سبيلبرج في منزل لم يحافظ على الطقوس الدينية، ولم يُطبِّق قوانين الطعام الشرعية وتزوج من غير يهودية. وكل هذا يعني أن علاقته بهويته اليهودية علاقة واهية للغاية فهي ليست هوية متماسكة متكاملة وإنما هي في واقع الأمر بقايا مجموعة من الرموز وشتات من الذكريات. وتجربة سبيلبرج في المجتمع الأمريكي تجربة إيجابية للغاية فقد حقَّق نجاحاً مذهلاً، وأصبح من أهم رموزه، بل أصبح يشارك في تطوير رموز هذا المجتمع ووجدانه من خلال أفلامه. فكيف يمكنه أن يتقبل الثنائية الصهيونية البسيطة: يهود ضد أغيار؟ وكيف يمكن أن يقبل الطرح الصهيوني لفكرة المركز الإسرائيلي مقابل الهامش اليهودي؟ ومن هنا كان لابد أن يكون بطله شخصاً قادراً على أن يتحرك بكفاءة بين العالمين: عالم اليهود وعالم الأغيار، فهذا أقرب لتجربة سبيلبرج مع المجتمع الأمريكي من الأنماط الإدراكية الساذجة والثنائيات الصلبة التي تُوجَد في الأدبيات الصهيونية حيث يقف اليهودي وحيداً أمام ذئاب الأغيار.