للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهيجل هو أيضاً وريث إسبينوزا. وإذا كان إسبينوزا قد ساوى بين الطبيعة والتاريخ أو بين الطبيعة والإنسان وجعل للطبيعة تاريخاً دون أن يجعل منه روحاً، فإن هيجل أعلى من شأن التاريخ وجعل منه روحاً. ويقف هايني مع إسبينوزا في إلغاء أية ثنائية وفي الإصرار على المساواة الكاملة بين الطبيعة والتاريخ وبين المادة والروح. هذه الحلولية تعبِّر عن نفسها في شعر هايني العميق، فهو شاعر نيتشوي (قبل ظهور نيتشه) يحتفي بالحياة، حياة تخبئ نفسَها بنفسها. وكما يقول في إحدى قصائده «الحياة الحمراء تنبض في عروقي، وتحت قدمي تذعن الدنيا، وفي توهُّج الحب أعانق الأشجار والتماثيل، وتعيش هي في عناقي» . وهذا عالم عضوي يشير إلى ذاته؛ مات فيه الإله، ولذا فالإنسان هو سيد نفسه، خالق قيمه وعالمه.

وفي قصيدة «ألمانيا: قصة شتاء» يصل هايني إلى ألمانيا ليسمع فتاة صغيرة (رمز ألمانيا) :

كانت تغني عن الحب وأحزان المحبين

عن التضحية، حتى نلتقي

في يوم آخر في عالم أفضل

لا يعرف الألم أو الأحزان.

غنت في وادي الدموع الدنيوي هذا

عن الحب الذي لا يُمسك به إنسان

عن العالم الآخر العظيم حيث تعيش الأرواح في غبطة

وقد تحوَّلت إلى نشوة أزلية.

ويدرك هايني أن هذا إن هو إلا الأفيون الديني الذي يُعطَى للجماهير (هذا العملاق الأحمق) ، فيغني للفتاة أغنية أخرى:

أغنية جديدة، أغنية أفضل

يجب أن نلدها الآن يا رفاقي،

ولنبدأ على التو في بناء

مملكة السماء على الأرض،

فالتربة تعطينا خبزاً يكفي

لإطعام بني الإنسان كلهم،

وتعطيهم الزهرة والآس، والجمال والفرح،

كما تعطيهم البازلاء الخضراء.

ثم يضيف قائلاً:

بوسعنا أن نترك السماء بلا تردُّد للملائكة والطيور.

<<  <  ج: ص:  >  >>