ولنبدأ بكافكا الإنسان والكاتب. كان كافكا يهودياً مندمجاً، ولذا فإنه لم يكن في البداية مدركاً للكتابات الدينية اليهودية أو كتابات المؤلفين اليهود، ولكنه بالتدريج بدأ يهتم بها وبالموضوع اليهودي. وهو أمر طرحته عليه عدة عناصر من أهمها أنه رغم الرغبة الصادقة لقطاعات كبيرة من يهود وسط أوربا في الاندماج، بل والانصهار في الحضارة الغربية، ورغم محاولة كثير من المجتمعات قبولهم ودمجهم وصهرهم، إلا أن عملية مثل هذه لم يكن من الممكن أن تتم في جيل واحد أو جيلين، فقد كان الجيل الأول والثاني من اليهود المندمجين يشعر أنه فقد الجيتو والأمن الذي كان اليهودي يشعر به داخله، بل ووجد نفسه في عالم معاد له. ولا شك في أن حركات معاداة اليهود التي تصاعد نفوذها وازدادت شعبيتها عمَّقت هذا الإحساس لدى كثير من المثقفين اليهود. كما أن هجرة يهود اليديشية (أي يهود شرق أوربا) ، الذين كان يتزايد عددهم داخل الإمبراطورية النمساوية المجرية، ساهم في خلخلة وضع اليهود المندمجين، وهو الوضع الذي فُرضَ على يهودي مندمج مثل هرتزل أن يبحث عن حل للمسألة اليهودية، أي مسألة يهود شرق أوربا، وأن يصوغ الحل الصهيوني. ويعني هذا أن الموضوع اليهودي قد فُرضَ على كافكا فرضاً. فبدأ يقرأ في الكتابات الدينية اليهودية وفي كتابات المؤلفين اليهود العلمانيين. قرأ في كُتب القبَّالاه والحسيدية، ودرس العبرية، وقرأ كتابات صهيونية أو شبه صهيونية (بل يُقال إنه كتب دراسات يُفهم منها تأييده للمشروع الاستيطاني الصهيوني) .
وعلى أية حال، فإن المصادر الغربية لفكره كانت أكثر تنوعاً وعمقاً وشمولاً، فقد تأثر بكلٍّ من كيركجارد ودوستويفسكي وفلوبير وتوماس مان وهيس وجوركي، وبالفكر الاشتراكي والفوضوي في عصره. ويبدو أنه كان معادياً للرأسمالية ولاقتصاديات السوق التي تحوِّل الإنسان إلى شيء.