أما مصادر التأثير في الأدب المكتوب بالعبرية في فلسطين، فهي كثيرة ومتنوعة. فأدب الهجرة الأولى كان لايزال يسير في ركاب أدب حركة التنوير، كما أن الواقعية الاجتماعية كانت تبرز بوضوح في أعمال رواد الهجرتين الأولى والثانية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأدب الذي أُنتج في أيام الهجرة الثالثة نحا منحى وضعياً.
وبالإضافة إلى تأثير برينر الذي استمر، لفترة طويلة، عاملاً رئيسياً في توجيه دفة الآداب المكتوبة بالعبرية، وإلى تأثير برديشفسكي بأفكاره الفلسفية عن الفرد والمجموع، نجد أن المهاجرين الجدد جلبوا معهم من روسيا إلى فلسطين دستويفسكي وتشيكوف والأدباء الإسكندنافيين الرومانسيين والجيل الجديد من أدباء ألمانيا. وامتزجت كل هذه التأثيرات مع الميراث الأدبي الذي عاش مع هؤلاء المهاجرين الجدد في اللاوعي ليُخرج في النهاية أدباً يمزج بين الرومانسية والواقعية، وبين الاغتراب ومحاولة الانتماء، حتى إن الدارس ليمكنه أن يلمس في أدب تلك الفترة، وبسهولة، مدى الأزمة النفسية التي عاشها المهاجرون الجدد، أولئك الذين ما زالوا يتخبطون في أزمة البحث عن الذات.
إن أغلب أدباء الهجرة الثانية كانوا على وعي كامل بوضعهم الجديد، وبأنهم مُقتلَعون من أرض أوربية ليعاد زرعهم من جديد في أرض شرقية. ولكن، رغم ما كان لدى بعضهم من حماس للالتقاء مع الأرض الجديدة، فإن أغلبهم كان على وعي كامل بحقيقة أنهم يفتقدون الارتباط بالأرض.
وإذا كان أبناء الهجرة الثانية قد اعتقدوا أنه سوف تتحقق في فلسطين كل الآمال الصهيونية الاستيطانية، فإنهم سرعان ما شعروا بأنهم تعلَّقوا بآمال واهية، ولذا عاد الكثير منهم إلى حيث أتوا. أما الذين مكثوا في فلسطين، فقد أنتجوا أدباً أكد قيم الصهيونية. وخلق التناقض بين مطالب الهجرة الصهيونية وبين الواقع النفسي للمهاجرين أدباً مركَّباً يتأرجح بين رؤية المهاجرين والواقع المرير الذي اصطدموا به.