للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما النموذج الاختزالي العلمي فاختزاليته تتضح عادةً في رفضه أية خصوصية. فاليهود ظاهرة عامة ليس لها ما يُميِّزها. والصهيونية إن هي إلا نتاج تفاعل عوامل اقتصادية سياسية (عادةً واضحة ومحددة) داخل المجتمعات الأوربية في نهاية القرن التاسع عشر. وهي لا علاقة لها بالدين اليهودي أو ميراث الجماعات اليهودية أو بوضعها المتميِّز داخل الحضارة الغربية. ومن ثم فإن الأشكال الحضارية المختلفة هي عبارة عن قشور (بناء فوقي) ، والدين إن هو إلا الأفيون يستخدمه المستغلون لخداع الجماهير. ويتم إسقاط عشرات العناصر التاريخية والإنسانية والسقوط في التعميمات الكاسحة المخلة مثل القول بأن "الصهيونية هي جزء عضوي لا يتجزأ من الإمبريالية الغربية" أو أن "الصهيونية تعبير عن مصالح البورجوازية اليهودية". ومن هنا طُرح في وقت من الأوقات شعار "وحدة الطبقة العاملة العربية واليهودية ضد البورجوازيات العربية واليهودية والاستعمار العالمي المتحالف مع الصهيونية" ... إلخ، وهي شعارات وأقوال تنم عن عدم إدراك أصحابها لخصوصية العمال من أعضاء الجماعات اليهودية وخصوصية وضع هذه الجماعات في الحضارة الغربية وخصوصية الحضارة العربية. وتتضح هذه السذاجة الاختزالية حينما انطلق أحد كبار علماء السياسة العرب من إيمانه بأن النظام السياسي الإسرائيلي يشبه أي نظام "ديموقراطي آخر" ولذا قرَّر أن هذا النظام ينتمي إلى نظام الحزبين على النمط البريطاني، وفي ذهنه بالطبع حزبا العمال والمحافظين مقابل المعراخ والليكود. والمقارنة صادقة تماماً لكنها سطحية جداً، فالحزب داخل النظام الاستيطاني الصهيوني يضطلع بوظائف تختلف تماماً عن وظائف الحزب في النظام الرأسمالي الديموقراطي الغربي، كما أن بنية الحزب وطريقة تمويله في إنجلترا مختلفتان عن مثيلتيهما في إسرائيل إذ لا يُوجَد نظير للمنظمة الصهيونية العالمية في النظام السياسي البريطاني. وعلى هذا النحو، يتم تناول النظام

<<  <  ج: ص:  >  >>