ورغم الهجوم على اليديشية، كُتب لها الاستمرار حتى أصبحت «لغة قومية» ليهود اليديشية، أي يهود شرق أوربا، ونسلهم ممن انتشروا في معظم أوربا والولايات المتحدة. وإذا كانت العبرية هي «لايشون هاقدوش» أي «اللسان المقدَّس» ، فاليديشية هي «ماما لاشون» ، أي «لغة الأم» . وقد تبناها بعض دعاة التنوير في روسيا بوصفها لغة قومية بدلاً من الروسية، ووضعوا بها مؤلفاتهم، وكانوا لا يختلفون في هذا عن أعضاء الأقليات والقوميات الأخرى. ولكن هذا وحده لا يكفي لتفسير ظاهرة استمرار اليديشية وازدهارها فيما بين العقدين الأخيرين من القرن الماضي والعقدين الأولين من القرن الحالي. ولتفسير هذه الظاهرة، علينا العودة إلى الظروف التاريخية والاجتماعية المحيطة بأعضاء الجماعة اليهودية في شرق أوربا حيث كانوا يشكلون كتلة بشرية ضخمة (بلغت نحو ٨٠% من جملة أعضاء الجماعات اليهودية في العالم) تتحدث اليديشية. وفي إحصاء عام ١٨٩٧ الذي أجرته الإمبراطورية الروسية، بلغ عدد أعضاء الجماعات اليهودية في روسيا من الناطقين باليديشية نحو ٩٧% من جملة يهود روسيا، أي ٥,٠٥٤,٣٠٠ (٤,٢% من مجموع سكان الإمبراطورية) . وبلغ عددهم في منطقة الاستيطان ٤,٨٨٩,٤٢٧ مُشكِّلين نسبة ١١,٦% من مجموع سكان المنطقة البالغ عددهم ٤٢,٣٣٨,٥٦٧ أما عدد أعضاء الجماعات اليهودية الذين كانوا لا يتحدثون اليديشية، فكان لا يتجاوز ١٦١,٥٠٠. ولم يكن الوضع مختلفاً كثيراً بالنسبة إلى يهود بولندا. وقد كانت هذه الكتلة الضخمة، في روسيا وبولندا، هي التي تُصدِّر اليهود المتحدثين باليديشية، إذ كان يحملونها المهاجرون معهم من شرق أوربا ويكوِّنون جيوباً تتحدث بها. وكانت ألمانيا، المجاورة لجاليشيا وبولندا، الممر بين الجيب الروسي البولندي اليديشي من جهة وبقية العالم من جهة أخرى، ولذا كانت تستوطن فيها أعداد كبيرة منهم. ولكن أكبر كتلة يهودية يديشية مهاجرة كانت قد انتقلت إلى الولايات المتحدة التي