وقد تزايد بروز المفكرين اليهود في الحضارة الغربية مع تزايُد حلوليتها وتزايُد عدميتها في مرحلة الحلولية بدون إله. وحينما ظهر نيتشه الذي أعلن موت الإله، تلبست النيتشوية المفكرين اليهود في أواخر القرن التاسع عشر، إذ كانت الحلولية اليهودية قد توصلت إلى النيتشوية قبل نيتشه (على حد قول آحاد هعام) . ومما لا شك فيه أن غربة المثقف اليهودي في مجتمعه عمقت اغترابه وموقفه النقدي والعدمي. ونحن نرى أن هذه العناصر جعلت المثقفين اليهود أكثر حداثة وأكثر امتلاكاً لناصية الخطاب الحضاري الغربي الحديث، ومن ثم أكثر بروزاً.
ومع هذا، حتى لا نسقط في التعميمات البسيطة والاختزالات السهلة، لنا أن نلاحظ أن من الأنماط التي تتواتر بين المثقفين من أعضاء الجماعات اليهودية، أن عدداً لا بأس به منهم ينتمون إلى زمرة المثقفين التي تحاول الاحتفاظ بالوظيفة النقدية للعقل، بحيث لا يُستوعب العقل في المادة ويظل متجاوزاً وبشكل دائم للأمر الواقع والوضع القائم، أي أنهم يحاولون تخطِّي الحلولية الكامنة في الفكر العلماني المادي عن طريق افتراض وجود نقطة ثبات خارج النسق (شيستوف ولا محدودية الاحتمالات ـ إرنست بلوخ والإمكانية الإنسانية التي لم ولن تتحقق، أي مقولة «ليس بعد» ـ العداء بين المعرفة والدولة عند ولتر بنجامين ـ القيم الأخلاقية الدائمة عند ليو ستراوس ـ المجال الخاص الذي يستطيع الفرد أن يفكر فيه وأن يحكم ضميره عند أرنت ـ التعددية التي لا يمكن اختزالها عند أيزياه برلين ـ المسيحية وسيمون فاي ... إلخ) . ويُلاحَظ وجود الظاهرة نفسها عند بعض الفلاسفة وعلماء الاجتماع والنفس من أعضاء الجماعات اليهودية.
مفكرون ومثقفون من أعضاء الجماعات اليهودية
Thinkers and Intellectuals from Members of Jewish Communities