وثمة رأي يذهب إلى أن النزعة الحلولية القوية في فكر فيلون هي في واقع الأمر محاولة من جانبه لأن يجعل اليهودية قادرة على التنافس مع عبادات الأسرار (الحلولية) ذات الطابع التبشيري القوي والتي جذبت كثيراً من أعضاء الجماعات اليهودية. وهذا تفسير براني تراكمي، فالفلسفات والعبادات التي انتشرت في العالم الوثني الروماني بعد أفلاطون وأرسطو (الرواقية ـ الأبيقورية ـ الفيثاغورثية الجديدة ـ الأفلاطونية الحديثة ـ الغنوصية ـ الأورفية ... إلخ) . كانت فلسفات وعقائد حلولية. وفيلون السكندري جزء من هذا التيار الحضاري العام بغض النظر عن البُعد اليهودي في تفكيره ووجدانه.
وتأخذ الحلولية عند فيلون طابعاً كوزموبوليتانياً كونياً (كما هو الحال في الرواقية والأبيقورية والأفلاطونية الحديثة) . ولذا، فإن الإله ليس رب اليهود وإنما هو رب الكون. ويتوقف الحديث عن الشعب المقدَّس، ولا يوجد أثر للنزعة المشيحانية المرتبطة بالحلولية اليهودية. وقد أوَّل فيلون قضية جمع شمل اليهود في بلد واحد بعد توبتهم (أي الشتات والعودة) بأنه يعني اجتماع الفضائل في النفس وتناسقها بعد ما تُحدثه الرذيلة من تشتُّت. أما الوعد بخيرات مادية للشعب، فهو وعد بالخيرات الروحية للنفس الصالحة وسيادة الشريعة على العالم. ويفسر فيلون كلمة «يسرائيل» بأنها «الرجل أو الشعب الذي يرى الإله» . وهذا أمر ليس مقصوراً على اليهود وحسب، وكل ما في الأمر أن اليهود يقومون على خدمته. واليهودية، من ثم، ليست انتماء عرْقياً وإنما عقيدة دينية. وعلى ذلك، فقد كان فيلون من دعاة التبشير باليهودية وبأنه يتعيَّن على اليهودي أن يكون مواطناً في البلد الذي يقيم فيه.