للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ضوء هذا التعريف المبدئي، لابد أن يُعاد تعريف معجم إسبينوزا. فأزلية الإله ليست أزلية منفصلة عن الزمان وإنما هي أزلية الماهية، أي أزلية الضرورة المنطقية، أي الوجود الآلي للشيء (مثل لا زمانية الموضوعات الهندسية) . إنه أزلي بالمعنى الذي تكون فيه ماهية الدائرة أزلية. والأمر الإلهي والإرادة الإلهية والعناية الإلهية ما هي إلا نظام الطبيعة كما ينبثق بالضرورة من قوانينها الحتمية. وكل ما يحدث هو إرادة الإله، ولكن ما حدث لا يحدث من خلال إرادة إله عاقل خيِّر شخصي وإنما من خلال حتمية مطلقة. فالإرادة تحدث لأنها مقرَّر لها أن تحدث ولا يمكن لإرادة الإله، إن وُجدت (وهي بطبيعة الحال غير موجودة) ، أن تغيِّر ذلك. ولذا، فإن قبلنا مفهوم عون الإله، فنحن نعني النظام الثابت، والقول بأن «كل شيء يحدث بأمر الإله» يعني في واقع الأمر أن «كل شيء يحدث وفقاً لقوانين الطبيعة» .

الإله هو الطبيعة، وكلاهما هو النظام الثابت والمحدد للطبيعة، أي أنه لا توجد أية ثغرات أو فجوات في هذا النموذج، فهو نموذج مغلق تماماً، سلسلة من الأسباب والنتائج المرتبطة رياضياً ومنطقياً وعقلياً من بدايته إلى نهايته، كل جزئية فيه تخضع لقانون صارم أزلي لا يتغيَّر، عالم مادي تماماً لا مجال فيه لروح أو لما فوق الطبيعة أو حتى ما يوازيها أو يجاورها، ولامجال فيه لأية غاية (فالغاية فكرة إنسانية يخلعها الإنسان على الطبيعة) ، وهو لا مجال فيه للقلب أو الضمير أو حتى الشخصية المستقلة. فنحن أمام مذهب واحدي أحادي مادي استخدم خطاباً دينياً تقليدياً (الإله ـ الأزلية ـ الكمال) ، ولذا فلنسمِّه حلولية بدون إله (وحدة وجود مادية) ، وهي تعني أن الخالق حلَّ في مخلوقاته تماماً وتوحَّد بها وأصبح كامناً فيها حتى أصبح هو هم، وأصبح الخالق والمخلوق والخلق واحداً فهما مكوَّنان من جوهر واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>