للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا النسق الواحدي تماماً، الذي يُردُّ فيه الكمال إلى الواقع، ويُردُّ الإنسان فيه إلى الطبيعة، ويتجرد الواقع فيه تماماً من القيمة، ويتجرد الإنسان فيه من القداسة ويفقد مركزيته: ما وضع الدولة؟ سنكتشف أن نظرية إسبينوزا عن الدولة امتداد لنظريته عن الطبيعة وقوانينها. ويذهب إسبينوزا إلى أن الإنسان لديه دافع طبيعي للمحافظة على نفسه، فغريزة البقاء هي جوهر الإنسان، ومن حق الإنسان أن يتخذ كل وسيلة لتحقيق هذا الغرض، وأن يعد كل من يحول بينه وبين المحافظة على نفسه عدواً له. ومن هنا، يود كل إنسان أن يعيش آمناً على حياته، متحرراً من الخوف. لكن من المستحيل تحقيق ذلك إذا مارس الإنسان حقه الطبيعي بطريقة طبيعية وفعل كل ما يريده. ولهذا السبب، لم يكن ثمة مفر لكل فرد من أن يتعاون مع غيره ويتفق معه من أجل تحقيق هذا الغرض، أي تحقيق بقاء النفس والعيش في وئام بدلاً من حالة الصراع الدائم. فقَبل الأفراد التنازل عن شريعة الطبيعة والخضوع لقانون العقل، كما تنازلوا عن بعض رغباتهم وحقوقهم الطبيعية لهيئة حاكمة في المجتمع الذي ينظمه القانون المدني لا القانون الطبيعي. فالاجتماع البشري يقوم إذن على المصلحة الشخصية المستنيرة، وهو أمر مختلف عن الحق الطبيعي والمصلحة المباشرة غير المستنيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>