للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنلاحظ وجود تشققات عديدة هنا في الخطاب الإسبينوزي. فثمة ثغرة بين الطبيعة والعقل، إذ يوجد حق طبيعي من جهة وعقل يسترشد به الجميع (الأفراد والدولة) من جهة أخرى. ومن خلال إيمانهم بالعقل، فإنهم يتنازلون عن حقوقهم الطبيعية (المادية) ويكبحون رغباتهم الطبيعية المباشرة (الغريزة) باسمه. فالمطلق هنا ليس الطبيعة وإنما العقل، بل إن هناك قانونين لا قانوناً واحداً: شريعة الطبيعة وقانون العقل، والإنسان لا يخضع للطبيعة وإنما يخضع لما هو ليس بطبيعة، أي للعقل، أي أن الإنسان لا يخضع للمادة بل يتجاوزها بفضل ما هو ليس بمادة. وهكذا سقطنا مرة أخرى في الثنائيات الدينية التقليدية، ولم يعد نسق إسبينوزا معقماً بما فيه الكفاية من الثنائيات والمطلقات والغايات كما كان (وهذا ما يُسمَّى «السقوط في الميتافيزيقا» ) . بل إن الوئام يحل لا من خلال القوة وحسب وإنما من خلال الخضوع للعقل أيضاً! يخضع له الأفراد كما تسترشد به الدولة. ويبدو أن إسبينوزا هنا يتنصل مما قاله من قبل من أن العقل ليس إلا حالة من أحوال الطبيعة والمادة (وسيظل هذا الوضع قائماً إلى أن يظهر نيتشه ودريدا، اللذان سيحاولان تنقية النموذج العلماني من أي مطلقية أو مرجعية أو ما يسميه نيتشه «ظلال الإله» ) .

سابعاً: موقف إسبينوزا من الدين:

<<  <  ج: ص:  >  >>