للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديانة العالمية (باللاتينية: ريليجيو كاثوليكا religio catholica) ، وهي ليست العقيدة الكاثوليكية وإنما هي عقيدة تمكث في نطاق عالم الخيال والوجدان ولكنها تحاول أن تصوغ نفسها حسب تعاليم العقل مُستخدمة في ذلك مبدأ طاعة الإله. وكلمة «الإله» مختلفة عن معناها في المعجم الإسبينوزي، فهي تعني الإله الشخصي الذي يتدخل في التاريخ ويرسل رسائل للإنسان. ويرى إسبينوزا أن مثل هذه العقيدة يمكن الاستفادة منها وتوظيفها اجتماعياً عن طريق التفسيرات العقلية للعهد القديم (ومن هنا نقده للعهد القديم والدعوة لتطهيره) . ويمكن ترجمة إرادة الإله (الوهمية) إلى مجموعة من القواعد النافعة: العدل ـ وطاعة قوانين الدولة (التي تصبح المفسر الوحيد لإرادة الخالق) .

إن الدين من منظور إسبينوزا ليست له قيمة من الناحية المعرفية، فهو مجرد وظيفة ذات نفع للإنسان (هذا الكائن الذي ليس له أهمية كونية خاصة) . ولذا، فلا أهمية على الإطلاق للأساس النظري الذي ترتكز عليه هذه العقائد مادامت تؤدي وظيفتها العملية على النحو المنشود. ولكن «السلوك الفاضل الذي يتحقق في إطار خارجي تماماً عن العقيدة (في إطار فلسفة إسبينوزا والمرجعية المادية الكامنة) ، يصبح على هذا الأساس مساوياً لذلك الذي يتحقق في الإطار الديني» ، أي أن السلوك «يُعدُّ مطابقاً للغاية المنشودة سواء أقام على أسس دينية أم لم يقم، مادام ينفذ الأغراض نفسها التي يدعو إليها الدين» . لكن تحويل الدين إلى مجرد وظيفة عملية ذات نفع دنيوي هو «علمنة من الداخل» إن صح التعبير، إذ يصبح المعيار هنا مدى التأثير العملي للدين ومدى تكيفه مع الواقع العملي والمادي حتى يحتفظ بفاعليته، أي أن الدين هنا يصبح تابعاً لهذا النظام الضروري والكلي للأشياء. وعملية العلمنة هذه لا تقل في ضراوتها وشراستها عن عملية العلمنة من الخارج، أي الهجوم المباشر على الدين، بل لعلها أكثر خطورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>