للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب) وحينما استقر المارانو في أرجاء أوربا، كانت اليهودية الحاخامية تعاني من بدايات أزمتها بعد هجمات شميلنكي وبعد تحجر الفكر الديني اليهودي الحاخامي وعزلته عن التيارات الدينية في العالم وأوربا. وشن كل من إسبينوزا وشبتاي تسفي هجوماً شرساً على اليهودية، وكلاهما من أصل ماراني، وكلاهما حلولي واحدي في فكره يؤمن بوحدة الوجود الروحية في المظهر، المادية في المخبر، ويؤمن بإمكانية تشييد الفردوس الأرضي (الآن وهنا) وإعلان نهاية التاريخ. ولعل الفارق الوحيد بينهما هو أن تسفي ظل حبيس الديباجة الدينية اليهودية القبَّالية اللوريانية ووحدة الوجود الروحية، بينما تمكَّن إسبينوزا من تجاوزها واكتشف التوازي بين الحلولية الواحدية الروحية والحلولية الواحدية المادية، فاستخدم مصطلحاً دينياً روحياً ومصطلحاً فلسفياً مادياً في آن واحد، ويمكن فك شفرة الأول من خلال المقولة المبدئية «إن الإله هو الطبيعة» . وحتى المصطلح الديني السطحي الذي استخدمه إسبينوزا كان مصطلحاً دينياً عاماً ليس فيه سوى أصداء يهودية. ولذا، كان هجوم تسفي على اليهودية من الداخل، بينما كان هجوم إسبينوزا هجوماً من الخارج.

ونحن نذهب إلى أن رؤية إسبينوزا الفلسفية حلولية متطرفة تضرب بجذورها في القبَّالاه اللوريانية. ولكن قبل أن نعرض لهذا المصدر الأساسي من مصادر رؤيته، قد يكون من المفيد الإشارة إلى وجود تيارات أخرى داخل اليهودية أثرت في إسبينوزا وعمقت اتجاهه الحلولي. وتذهب بعض الدراسات إلى أن هناك اتجاهين داخل اليهودية: الاتجاه الميموني العقلاني، نسبة إلى موسى بن ميمون، والاتجاه الحلولي القبَّالي اللاعقلاني. ولكن فكر موسى بن ميمون نفسه يحوي في داخله عناصر مادية، فعقلانيته أحياناً شاملة متطرفة كثيراً ما تقترب من حالة الواحدية المادية الشاملة التي حققها إسبينوزا والتي لا تختلف عن واحدية الرؤية الحلولية الروحية.

<<  <  ج: ص:  >  >>