للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعالَم القبَّالاه اللوريانية لا عاطفة فيه ولا أخلاق، فالأمور كلها جزء من نسق هندسي، ومن هنا ظهرت الجماتريا، وهي محاولة تفسير العالم بالأرقام من أجل التحكم فيه لا التوازن معه، وهذا يقابل تماماً فكرة إسبينوزا عن إمكانية فهم العالم، بما في ذلك الإنسان، من خلال المنطق والخطاب الهندسي، وعن إمكانية التحكم في العالم وفي الذات بأن ينظر الإنسان إلى الكون من منظور الإله (الرؤية الكونية الموضوعية) . وقد قيل عن القبَّالاه اللوريانية إنها ألهَّت الجنس وجنَّست الإله، وهو إنجاز فرويد فيما بعد، ويمكننا أن نقول إن إسبينوزا ألَّه الطبيعة وطَّبع الإله، وتطبيع الإله شكل من أشكال التجسد الدائم والمستمر. وإذا كان التجسد في المسيحية أخذ شكل لحظة تاريخية فريدة في حياة المسيح باعتباره ابن الإله (وهو ما نسميه «الحلول المؤقت» ) ، فإن حلولية القبَّالاه اللوريانية هي في الواقع تجسد دائم إذ يُصبح الكون بأسره جسد الإله، فالطبيعة هي التجسد الكامل والمستمر للإله، وعلى من يود معرفته أن يدرسها ويستخلص منها كل ما يلزمه من معرفة للخلاص. وجاء في القبَّالاه اللوريانية أن " إلوهيم هو هاطيفع " أي أن الإله هو الطبيعة (تماماً كما يقول إسبينوزا) ، وأكد القبَّاليون أن طيفع هي المعادل الرقمي لإلوهيم. بل إن إنجازه الفلسفي الأكبر هو اكتشافه هذا التقابل المدهش بين وحدة الوجود الروحية (لا موجود إلا هو، أي الإله) ووحدة الوجود المادية (لا موجود إلا هي، أي المادة أو الطبيعة) . ومن خلال اكتشافه هذا، جعل إسبينوزا الإنسان الغربي قادراً على أن يتبنَّى الرؤية العلمانية الشاملة دون أن يدري ودون أي إحساس بالحرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>