للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن برجسون يدور في إطار الواحدية الكونية، أي أنه يرى أن ثمة عنصراً واحداً يُكوِّن العالم بأسره، ولذا فهو يصفي كل الثنائيات. فالكائنات الحية كلها تتصف، في جوهرها، بالصيرورة التي تعني تطور الكائن بانتقاله من مرحلة إلى أخرى وخضوعه لحكم الزمن. والحقيقة الأولى هي الصيرورة لا الوجود، والتغير لا الثبات. وهذه الحياة التي لا تفتأ تخلق وتغير وتبدع والتي تتلمس الحرية من قيود المادة هي الإله، فالإله والحياة اسمان لمسمَّى واحد. وأغلب الظن أن هذه الحياة الدائمة التخلص من أغلالها وأصفادها ستظفر في آخر الأمر بما تريد، فتتغلب على الموت وتتحقق لها الحرية والخلود (وهي لحظة نهاية التاريخ، والفردوس الأرضي، وتحقُّق الفكرة المطلقة في التاريخ ونهاية الدورة الكونية لتبدأ دورة أخرى) .

ومما يجدر ملاحظته أن الوثبة الحيوية في منظومة برجسون تحل محل الإله في كثير من المنظومات الدينية التقليدية. ومن ثم، فإن الإله في فلسفة برجسون كيان متغيِّر متحرك قابل للنمو والتزايد باستمرار. وهو صيرورة كاملة، فهو ليس هنا ولا هناك، وهو ليس موجوداً ولا يتصف بأي كمال من الكمالات التي ننسبها في العادة إلى المبدأ الإلهي، كما أن صفة القدرة المطلقة ليست من صفاته. ولا يوجد هنالك فارق بينه وبين العالم، فالاختلاف بينهما في درجة الشدة والتوتر أو الترقي، كما لا يوجد فارق بين الإله والإنسان. ويمكننا القول بأن مفهوم الإله في فكر برجسون يتأرجح بين فلسفة وحدة الوجود الروحية وفلسفة وحدة الوجود المادية، فهو يُسمِّي المبدأ الواحد الذي يسري في الكون أحياناً «الإله» ويسميه أحياناً «الوثبة الحيوية» . ومهما تكن التسمية، فإن العالم بأسره يُردُّ إلى هذا المبدأ الواحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>