ويحاول كالن أن يشرح لنا فكرته عن التاريخ كذكرى والذكرى كتاريخ فيقول:"تحولت الرغبة إلى نبوءة والنبوءة بدورها تحولت إلى ذكرى، والذكرى أُعيدَ تشكيلها إلى وعد، والوعد تحول إلى مشروع". وهذا يُذكِّرنا بتعريف وليام جيمس للفكرة كمشروع وكمخطَّط، فرغبة العبرانيين تحولت إلى نبوءة مقدَّسة ثم صَدَر الوعد الإلهي الذي تحول إلى مشروع استيطاني، فشرعية المشروع الاستيطاني تستند إلى أحلام اليهود.
يذوب التاريخ والواقع إذن في وجدان من يرغب، ويصبح بلا حدود، ثم يظهر جيل من حملة التراث اليهودي، المثاليون الذاتيون الذين يحلمون ويفرضون حلمهم دون أدنى اعتبار لأي تاريخ، فالتاريخ هو ما تشاء (!) والطوباويون أو المثاليون الذين يشير إليهم عنوان الكتاب هم الإسرائيليون، كل الإسرائيليين. ويخبرنا كالن أن اليوتوبيا حالة عقلية، وهذا أمر لا جدال فيه. ولكن ما ينساه كالن هو أن اليوتوبيا ـ مثل الحالات العقلية ـ أنواع ودرجات، فهناك الفردوس السماوي الذي نحلم به ونحمله في قلوبنا أينما سرنا ونضع فيه آمالنا، وكل ما لم وما لن يتحقق «الآن» و «هنا» ؛ فهو حلم فردوسي كامل نحن في أمس الحاجة إليه رغم استحالة تحقيقه، إذ يساعدنا هذا الحلم على تجاوز الواقع المادي المباشر. ولكننا نعلم جيداً، إن لم نكن من الذاتيين البرجماتيين، أن أحلام الآخرين وذكرياتهم ورغباتهم وأشواقهم تضع حدوداً لأحلامنا الفردوسية، كما نعلم أن الفردوس السماويَّ سماويٌ ولذا فنحن لا نتوقع أبداً تحقيقه الآن وهنا. ولكن هناك أيضاً اليوتوبيا التي يتحدث عنها كالن البرجماتي، فاليوتوبيا - كما يقول - هي مادة الأشياء التي نأمل فيها وتقوم شاهداً على أشياء غير منظورة دون أن تحدها الحدود. وفي إسرائيل الموعودة، يكتشف البرجماتي أن كل الرجال والنساء طوباويون وأن أرض بيولاه (وهو اصطلاح قبَّالي يعني الفردوس) هي الرؤية التي لم تتجسد بعد في أي مكان ولا زمان، ولم تتحقق في الواقع في أي