التحق دوركهايم بمدرسة المعلمين العليا. وكانت المدرسة مركزاً فكرياً مهماً في ذلك الوقت، إلا أن علم الاجتماع لم يكن قد احتل مكانته اللائقة بعد. وقد التقى هناك بزملاء كانوا فيما بعد رواد الفلسفة والعلم مثل الفيلسوف برجسون. ولم يكن دوركهايم طالباً متفوقاً وإن كان قد حظي ببعض كبار الأساتذة هناك من بينهم فوستيل دي كولانج وإميل بترو، كما تأثر بأعمال أوجست كونت وسان سيمون. وبعد تخرجه قرر أن يكرس نفسه للدراسة العلمية لعلم الاجتماع واشتغل بالتدريس في الجامعات الفرنسية كما اشتغل بتحرير حولية علم الاجتماع التي ظهر العدد الأول منها عام ١٨٩٨.
إن الجذور الفكرية لدوركهايم هي جذور أي مفكر غربي حديث، فقد استوعب فكر ديكارت (وثنائيته الصلبة) وفكر حركة الاستنارة والعقلانية المادية (البحث الدائب عن أساس عقلي) وأعمال روسو (مفهوم الإرادة العامة والتفرقة بين الظاهرة الاجتماعية والظاهرة النفسية) ومونتسكيو (ترابط المجال الثقافي والاجتماعي) ، وأعمال كونت (تقسيم العمل كمصدر للتضامن وفكرة الإجماع) ، وفكر سان سيمون (علم الاجتماع كعلم مستقل) والفكر المعادي للاستنارة (أسبقية المجتمع على الفرد، والحاجة إلى السلطة والالتزام الخارجي) وآراء فوستيل دي كولانج (المنهج التاريخي ودور الدين) وأفكار إميل بترو (مستويات الواقع المختلفة) وتشارل رينوفييه (رفض الحتمية التاريخية ومركزية الاعتبارات الأخلاقية في البحث الفلسفي، والحاجة إلى علم أخلاق لإعادة بناء الجمهورية، ورؤية العنف باعتباره شراً) . كما تأثر دوركهايم بهربرت سبنسر (الرؤية التطورية) ووليام سميث (أهمية الطقوس في الدين) . أما في ألمانيا، فتأثر بكانط (فلسفة الأخلاق) وبزيميل وجومبلوفيتش وتونيز وبالفكر العضوي الألماني، وأخيراً بفيلهلم فوندت (فكرة روح الجماعة) وبمعمل علم النفس والأبحاث العلمية التي أجراها فوندت وشاهدها دوركهايم.