للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف يُعبِّر الضمير الجمعي عن نفسه في المجتمع الحديث؟ وجد دوركهايم أن تقسيم العمل الذي أدَّى إلى اللا معيارية هو نفسه الآلية التي تؤدي إلى ظهور الضمير الجمعي في شكله الحديث. ففي المجتمع الحديث، أصبح الفرد غير قادر على الاكتفاء الذاتي، وتم تنظيم المجتمع على أسس جديدة إذ أصبح يتَّسم بالتضامن العضوي، والمجتمع هنا مثل الكائن العضوي لا يشبه أعضاؤه بعضهم بعضاً مادام لكل عضو من هذه الأعضاء المكونة وظيفة محددة يؤديها تختلف عن الوظيفة التي تؤديها بقية الأعضاء، والوظائف المتكاملة هي السبب الرئيسي في استمرار وجود الكائن العضوي وحياته. ومن هنا، فإن تماسك المجتمع الحديث يمكن تفسيره بالإشارة إلى عدة عناصر من بينها:

١ ـ تبادل المصلحة داخل نطاق تقسيم العمل.

٢ ـ ظهور ما يُسمَّى الآن «المجتمع المدني» الذي يستند إلى التنظيمات المدنية الطوعية والروابط المهنية مثل النقابات (التي تربط الفرد بالدولة (.

٣ـ ظهور أخلاقيات المهنة والوظيفة التي تُوجِّه سلوك الفرد داخل هذه الروابط.

٤ ـ ظهور التعاقد كأساس للعلاقات الاجتماعية.

بهذه الطريقة، يكون دوركهايم قد حل مشكلة تماسك المجتمع من خلال الأخلاق المدنية التي يفرضها المجتمع من الخارج ومن خلال آليات التضامن العضوي نفسها، ولكنها تنبع أيضاً من الداخل لأنها راسخة في ذوات الأفراد ونابعة من حاجاتهم. ومن خلال هذا، تظهر مجموعة القيم المتجاوزة للأفراد. وأنجز دوركهايم كل هذا دون اللجوء إلى ميتافيزيقا خارجية ودون حاجة إلى الاهتمام بمطلقات (مثل الإله) أو حتى شبه مطلقات (مثل الضمير الجمعي) ، ودون السقوط في الذرية التي يؤدي إليها مذهب المنفعة (ولعل هذا هو الفرق بين الأصول البروتستانتية لعلم الاجتماع الإنجليزي مقابل الأصول الكاثوليكية لعلم الاجتماع الفرنسي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>