للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن ما يحاول هوركهايمر قوله هنا أن فكر مدرسة فرانكفورت لم تسقط في عقلية نهاية التاريخ المشيحانية على طريقة ماركس، بل احتفظ بالنسق مفتوحاً وبالتجاوز حقيقة لا نهائية. وهو يرى أن ذلك هو الترجمة العلمانية لبعض المفاهيم اليهودية (مثل تحريم نطق اسم الإله وتحريم تصويره) . وإذا أردنا ترجمة هذا المصطلح شبه الديني إلى مصطلحنا الفلسفي لقلنا إنه بينما ورث ماركس الحلولية اليهودية والنزعة نحو التجسد فيها، فقد ورث هوركهايمر النزعة التوحيدية اليهودية التي ترى الإله منزَّهاً عن المادة (الطبيعة والتاريخ) لذا لا يمكن أن يتجسد الإله وينتهي التاريخ، وينغلق الجدل وينتهي التجاوز. ويرى هوركهايمر أن اليهود في علاقتهم بالبشر يمثلون عنصر النفي (بالمعنى الفلسفي) وهو ظاهرة صحية إيجابية، فبدون هذا النفي يصل التاريخ إلى نهايته وتسود الشمولية.

وتطوُّر موقف هوركهايمر من اليهود هو تعبير عن تطور موقفه من الماركسية. فقد انتقل من الإيمان بالبروليتاريا كآلية استرجاع الكل، إلى الإيمان بأن أكثر ما يمكن أن يؤمل فيه الإنسان هو الاحتفاظ بجيوب من النفي، ومن ثم تزايَد اهتمامه باليهود وبالمسألة اليهودية وبالعقيدة اليهودية. ومن هذا المنظور أصبح المفكر صاحب العقل النقدي (مقابل العقل الأداتي) هو اليهودي الذي يرفض أن يُستوعَب في آليات المجتمع وأصبحت معاداة اليهود تعبيراً عن تلك الاتجاهات في المجتمعات التي تنحو نحو الشمولية والسيطرة على الطبيعة والإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>