للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا رجعنا إلى كتاب فرويد مقالات ثلاث في نظرية الجنسية ألفيناه يُقرر أن كل ما نعده انحرافاً جنسياً في حياة الإنسان بعد مرحلة الرشد كان مظهراً سوياً لجنسية الطفولة في المرحلة السابقة للبلوغ، أي أن الشر الذي يعاني منه الرجل هو امتداد لما كان سوياً في حياته أثناء الطفولة.

ويمكننا الآن أن نتوجه إلى نقطة أكثر تفصيلاً هي علاقة التأويل الفرويدي بمدارس التفسير اليهودية. قال فرويد في تفسير الأحلام إنه سيقوم بتحليل الإنتاج الإنساني كما لو كان يحلل التوراة (ويُقال إن اسم المريضة «دورا» هو في واقع الأمر تحريف مُتعمَّد لكلمة «توراة» إذ استبدل فرويد حرف التاء بحرف الدال كما فعل مع «آتون» و «آدون» أو «أدوناي» ) ، وهو لم يجانبه الصواب في قوله إذ نلاحظ نقط تماثل عديدة:

١ ـ ابتداءً يرى التحليل النفسي أن حلم المريض لا يقول شيئاً داخلياً، فهو كلمات متراصة معناها الظاهري غير منطقي وغير مترابط، ولكن المفسر يأتي بآلياته التفسيرية المختلفة ليصل إلى المعنى الباطن فيصبح الحلم ذا معنى. كل هذا يعني أن الطبيب المفسر هو الشخصية المحورية فلا المريض ولا كلماته لها معنى. وهذا لا يختلف كثيراً عن موقف كثير من المنظومات الحلولية من عملية التفسير إذ تذهب هذه المنظومات إلى أن المعنى المنطقي الظاهر للنص معنى سطحي، أما المعنى الباطن فهو يتطلب تفسيراً عرفانياً إشراقياً لا يمكن أن يأتي به إلا «الشيخ» أو «الإمام» . وهذا الموقف نفسه لا يختلف كثيراً عن بعض المواقف الحاخامية من التوراة، فالنص المقدَّس صامت، أو معناه الظاهر سطحي ليس ذا قيمة كبيرة. ويأتي المفسر الحاخامي أو القبَّالي مسلحاً بآلياته التفسيرية فيعيد ترتيب منطوق النص واستكناه ألفاظ وعبارات بعينها في ألعاب هندسية وحروفية كبيرة ليتكشف المعنى الحقيقي الخفي للتوراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>