٤ ـ كان تراث القبَّالاه بصوره المجازية الجنسية العديدة قد تغلغل في الوجدان اليهودي وصَعَّد توقعاتهم الجنسية والطوباوية بشكل عام. ومع فشل حركة شبتاي تسفي وإحباط النزعة الطوباوية كان لابد أن تعبِّر هذه النزعة عن نفسها على شكل تصعيد التوقعات الجنسية.
٥ ـ كل هذا جعل من الصعب على أعضاء الجماعات اليهودية الاستمرار في إقامة الشعائر اليهودية وتنفيذ الأوامر والنواهي وكبح جماح رغباتهم وشهواتهم. في هذا الإطار ظهرت الفرانكية ومن بعدها الفرويدية. وقد أخذت الفرانكية شكل حركة مشيحانية ترخيصية، وأخذت الفرويدية (في شكلها الاختزالي الشائع) شكل حركة علمية ترخيصية.
كان جيكوب فرانك يقول لقد أتيت لأحرر العالم من كل الشرائع والعادات الموجودة فيه. وبالفعل أوقف فرانك العمل بالأوامر والنواهي وألغى الحدود بين المقدَّس والمدنَّس فأصبح كل شيء مقدَّساً ومن ذلك الإثم نفسه، ومن ثم أصبح الوصول إلى النور غير ممكن إلا بالنزول في الظلام وأصبح الصعود غير ممكن إلا بالسقوط في الهوة. فمن خلال الوقوع في الخطيئة سينبثق عالم لا مكان للخطيئة فيه، عالم هو الخير كله. ولذا فالممارسات الجنسية الجماعية الداعرة شكل من أشكال العبادة وطريقة للتواصل بين أعضاء الجماعة (كما هو الحال دائماً مع الجماعات الحلولية المتطرفة) . وقد جاء فرويد فوجد حضارة الغرب مليئة بالمحرمات التي فرضها الدين عليها، مكبلة بالقيود التي تحول دون انطلاق الناس، كما رأى الشعور بالإثم يكتنفهم إذا ما خرجوا على ما فيها من ضروب المنع والتحريم، فطُرح التحليل النفسي باعتباره الإطار الذي يرفع الشعور بالخطيئة عن كاهلهم. فكأن فرويد هو الماشيَّح العلماني الجديد الذي جعل اللبيدو هو اللوجوس، وتحقيقها دون قيود هو التيلوس (الهدف والغاية) . وإن لم يكن فرويد قد دعا إلى الممارسات الجنسية الجماعية فإنه كان يرى أحياناً أن الطريق الأساسي للسعادة الحقة هو الإفصاح الجنسي الكامل.