وقد اختلط يهوه إله اليهود بآتون إله المصريين وهكذا. وهذه التهويمات هي في الواقع تعبير عن محاولة فرويد أن يتعامل مع قضية «اليهودي غير اليهودي» ، ولكنها طُرحت هنا على هيئة «غير اليهودي اليهودي» وهما شيء واحد. فكأن موسى هو فرويد غير اليهودي الذي فُرض عليه أن يكون يهودياً.
ويبدو أن فرويد لم يكن مدركاً لهذا الوضع على المستوى الواعي. وثمة تعبير مدهش عن هذا الإخفاق في الفهم في المقدمة التي كتبها فرويد للترجمة العبرية لكتاب الطوطم والتحريم. فقد أشار أحد أصدقائه إلى درجة ابتعاده عن «دين آبائه» بل عن كل دين آخر، وإلى أنه نبذ كل الخصائص المشتركة مع «قومه» ، ثم سأله:«أي شيء تَبقَّى لك من اليهودية؟»(وهو سؤال شديد الوجاهة، لم تتمكن الدولة الصهيونية حتى وقتنا هذا من الإجابة عليه: من اليهودي؟) . وكان رد فرويد مبهماً إلى أقصى حد:"لم يبق لي الكثير منها، ولكن ما تَبقَّى على الأرجح هو الجوهر". ولكن يظل السؤال هو: ما هذا الجوهر اليهودي، الذي بقي بعد أن تساقط كل شيء آخر؟ لم يستطع فرويد الإجابة على هذا السؤال إذ أكد:"أنه يعجز عن تفسير هذا الجوهر"، وهي إجابة أقل ما توصف به أنها غريبة خصوصاً أنها صادرة عن مفكر جعل همه تفكيك كل ما هو إنساني وطوَّر آليات لفك شفرة الأحلام وزلات اللسان والنكت وتفسير أعماق الإنسان المظلمة، كيف يعجز مثل هذا المفكر عن فهم هذا الجوهر اليهودي (الذي كان الطاقة المحركة لفكره كما قال) . لكن فرويد تدارك الأمر وقال:"ولكن اليوم سيجئ، دون ثمة ريب، حين يصبح ذلك [أي تفسير الجوهر اليهودي] ميسوراً للعقل العلمي".
٢ ـ الحلولية اليهودية والحلولية العلمانية الشاملة: