وغني عن الذكر أن مفهوم التاريخ اليهودي مفهوم محوري في الفكر الغربي وفي إدراك الإنسان الغربي لليهود. لكن المقدرة التفسيرية لهذا المفهوم ضعيفة إلى أقصى حد، فهو مفهوم اختزالي بسيط إلى أقصى حد. والإيمان بنموذج التاريخ اليهودي المستقل له نتائجه السلبية لا من الناحية المعرفية وحسب، وإنما من الناحية الإنسانية والأخلاقية كذلك.
أما من الناحية المعرفية، فإننا نجد أن رصد واقع الجماعات اليهودية، وتفسيره من خلال نموذج التاريخ اليهودي يُبسِّط هذا الواقع ويختزله ويجعله تافهاً، كما أنه يُضخِّم جوانب ثانوية منه ويتجاهل عناصر أساسية فيه. إن استقلالية أي بناء تاريخي تعني استقلالىة أبنيته الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك استقلالية الأبنية الحضارية والرمزية المرتبطة به، كما تعني تجانسها النسبي في كل مرحلة من مراحله. وكذلك فإن استقلالية أي بناء تاريخي تعني أن هذا البناء يضم جماعة من الناس لا وجود لها خارجه ولا يمكن فهم سلوكها إلا في إطار تفاعلها معه. ولكن من الثابت تاريخياً أن الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم كانت تتَّسم بعدم التجانس وعدم الترابط وبأن أعضاءها كانوا يوجدون في مجتمعات مختلفة تسودها أنماط إنتاجية وأبنية حضارية اختلفت باختلاف الزمان والمكان. فيهود اليمن، في القرن التاسع عشر، كانوا يعيشون في مجتمع صحراوي قَبَلي عربي. أما يهود الولايات المتحدة في الفترة نفسها، فكانوا يعيشون في مجتمع حضري رأسمالى غربي. فإذا بحث المرء في العنصر المشترك بين يهود الىمن ويهود الولايات المتحدة، لوجد أنه هو الدين اليهودي وحسب، وهو عنصر واحد ضمن عناصر عديدة تحدد سلوك اليهودي. بل إن الأنساق الدينية اليهودية ذاتها، بسبب تركيب اليهودية الجيولوجي التراكمي وبسبب غياب سلطة مركزية دينية، تختلف اختلافاً حاداً وجوهرياً من حضارة إلى أخرى، ومن هنا نشأت قضية الهوية اليهودية. ولكل هذا، نجد أن سلوك اليهودي اليمني تحكمه