وعلى هذا، فإن الإطار المرجعي للدراسة لا يمكن أن يكون التاريخ اليهودي. ولو أن الباحث جعل هذا التاريخ اليهودي مرجعاته لعجز حتماً عن تفسير كثير من عناصر التفاوت وعدم التجانس في هذا التاريخ، ولاضطر إلى ليّ عنق الحقائق ليفسر سبب تأثر يهود لندن بالثورة الصناعية فور حدوثها وعدم تأثر بعض يهود إثيوبيا بها حتى الآن! أو اضطر إلى تفسير أحداث هذا التاريخ اليهودي الوهمي من خلال عناصر ثانوية أو وهمية، مثل رغبات اليهود وتطلعاتهم وتماسكهم ومدى اضطهاد الآخرين لهم أو عطفهم عليهم. وإذا تأملنا الدراسات التي تفترض استقلالية التاريخ اليهودي فإننا سنجد عبارات مثل:«وكان بورش الأميني متسامحاً مع اليهود فأعادهم إلى بلادهم» أو «وتمت عدة هجمات ومذابح ضد اليهود عام ١٨٨٢ في روسيا القيصرية» أو «وبدأ اليهود يفكرون في تقليد الشعوب الأخرى لتصبح لهم حركتهم القومية ووطنهم القومي في فلسطين» ، وكل هذه العبارات تفترض أن الأحداث التي تقع لليهود تُفسَّر بالعودة إلى تاريخهم المستقل الافتراضي، وإلى رغباتهم وأحلامهم التي يبررها هذا التاريخ الافتراضي. ويتم تجاهل البناء الإداري للإمبراطورية الفارسية التي اعتمدت على الشعوب الموالية لها، أو أزمة الرأسمالية أو النظام القيصري في عام ١٨٨٢، أو ظهور الإمبريالية الغربية التي كانت تحل مشاكل أوربا عن طريق تصدير هذه المشاكل إلى الشرق، وبالتالي حاولت حل مسألتها اليهودية عن طريق إرسال إلى هود إلى الشرق. لكن عزل التجارب التاريخية للجماعات اليهودية عن سياقها التاريخي الإنساني العام يحوِّلها، في الحقيقة، إلى أجزاء من واقع يهودي عام واحد يمكن فرض أي معنى عليه. ولذا، فإن وقائع اضطهاد اليهود (كاضطهاد يهود فلسطين على يد الفرنجة أو اضطهاد يهود روسيا في أواخر القرن التاسع عشر بسبب التحديث المتعثر) بدلاً من أن تُدرَس من حيث هي وقائع يمكن تفسير كلٍّ منها في سياقها التاريخي المختلف، تصبح