للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكمون الكامل بهذا المعنى هو الإنكار الكامل للحيز الإنساني والسقوط التام في قبضة الصيرورة وإنكار أي وجود للكل المتجاوز. وقد وصف جان بياجيه المثل الأعلى البنيوي بأنه " السعي إلى تحقيق معقولية كامنة عن طريق تكوين بناءات مكتفية بنفسها، لا تحتاج من أجل بلوغها إلى الرجوع إلى أية عناصر خارجية ". وما تقوله هذه العبارة هو ما يقوله إسبينوزا مع تغيير في المصطلح، فاللغة واحدة، أما الكلام فمتغير (كما يقول البنيويون) . وقد ترجم عبد المنعم الحفني في موسوعته الفلسفية كلمة «إمنانتزم immanentism» بكلمة «مذهب الحلول» . وتَحدَّث في هذا المدخل عن حلولية طاليس (العالم حافل بالآلهة ـ الإله منبث في العالم) ، وأنكسماندر (اللامتناهي) ، وهرقليطس (المبدأ الواحد وأصل كل المخلوقات) ، وأكسانوفان (العالم هو الإله) ، والرواقيين (المبدأ الأول ـ الإله ينفذ في كل العالم) ، وإسبينوزا (الإله والوجود واحد) ، والحلاج (الناسوت صورة اللاهوت) ، وبعض نظريات التصوف الإسلامي الحلولي (نظرية النور المحمدي التي تزعم أن الرسول اجتمعت فيه روحان: روح إلهية قديمة لا تجرى عليها أحكام الفناء والتغير [اللاهوت] ، وروح بشرية حادثة تجرى عليها أحكام الكون والفساد [الناسوت] ) . كما يستخدم كانط «إيمنينت immanent» في مقابل «متجاوز» ، وهي تعني في واقع الأمر «الشيء في ذاته» . ويستخدم بعض الفلاسفة الماديين كلمة «كامن» بمعنى «مثالي» ، أي «منفصل عن عالم المادة» ، ففلسفة كانط في مصطلحهم فلسفة كمونية «إيمنينت immanent» أي «مثالية» . فعبارة «إيمنينت هستوري immanent history» (التي يمكن ترجمتها بعبارة «تاريخ كموني» أو حتى «تاريخ باطني» ) تُستخدَم للإشارة إلى رؤية تاريخ العالم باعتباره عملية تتم من تلقاء نفسها، مدفوعة بقوانين كامنة في التاريخ نفسه، دون الخضوع لأية مؤثرات خارجية مادية مثل الصراع الطبقي أو الوعي الاجتماعي. وتشير عبارة «فلسفة الكمون» ( «إيمانينس

<<  <  ج: ص:  >  >>