نفسه باعتباره قيادة اليهود الحقيقية، في فلسطين أساساً، وفي العالم ككل. ثم نشب التمردان اليهوديان الأول والثاني ضد الرومان واللذان انتهيا بتهديم الهيكل بيد الرومان، الأمر الذي وضع نهاية للمرحلة العبرانية اليهودية.
ويُلاحَظ أنه، بعد هدم الهيكل، لا يوجد شكل واحد محدَّد للقيادة يسود الجماعات اليهودية إذ كانت كل جماعة خاضعة للتشكيل الحضاري السياسي الذي توجد فيه. وعلى سبيل المثال، فإن قيادة يهود الفلاشاه التي استمرت حتى العصر الحديث كانت قَبَلية، واصطبغت قيادة يهود بني إسرائيل في الهند بطابع هندي واضح، وتأثرت قيادة يهود كايفنج بالحضارة الصينية. أما يهود الخزر، فقد سادت بينهم مؤسسة الملكية المزدوجة (التركية) . أما في الشرق الإسلامي، فقد ترأس الجماعات اليهودية رأس الجالوت (المنفى) ، وكان منصبه المركزي تعبيراً عن مركزية الإقطاع في العالم الإسلامي. وقد ظهر إلى جواره نخبة قائدة دنيوية تستند هيبتها إلى نجاحاتها التجارية وثرائها، وقد كانت هي التي تتحكم في النخبة الدينية. وهذا وضع يشبه الوضع في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، إذ أن أثرياء اليهود قد أمسكوا بزمام قيادة الجماعة اليهودية فعلياً، وتضاءل دور المفكرين الدينيين والحاخامات.
وحين كانت الدولة المركزية قوية، كان اليهود يتبعون مركزاً واحداً وقيادة واحدة. وحينما كانت السلطة المركزية تضعف وتنقسم الدولة إلى دويلات، كانت الجماعات اليهودية ذاتها تنقسم إلى وحدات صغيرة تتبع كل منها الدولة التي تعيش فيها. في العالم الإسلامي على سبيل المثال، حينما كانت تحكمه سلطة مركزية قوية، كان منصب رأس الجالوت يتمتع بنفس القوة. ومع تفكُّك الدولة الإسلامية إلى دويلات أو مقاطعات شبه مستقلة، ظهر منصب رئيس اليهود (نجيد) في مصر وفي غيرها من البلاد الإسلامية.