وغنيٌّ عن القول أن هذه صورة مثالية مجردة لبعض المؤسسات الاجتماعية والدينية للساميين وهم لا يزالون في الفترة الأولى من تجوالهم. ومع حفاظهم على السمات الأساسية كالتضحية بالقرابين، فإن هذه المؤسسات تطورت في المراحل اللاحقة فظهرت مؤسسة الملكية والتفاوت الاجتماعي والأرستقراطية المركبة. وظهرت نظم اقتصادية تجاوزت الأصول البدائية، فطوَّر الساميون التجارة وكانوا دائماً حلقة الوصل بين الممالك الكبرى القديمة في المنطقة. كما برعوا في الملاحة، فكانوا أول من ارتاد البحر وطوَّر العديد من الصناعات. وظهرت بينهم آداب وفنون ذات طابع إنساني شامل. بل تطورت العقائد الدينية وشعائرها، فظهر الكهنوت والنبوَّة ووصل مفهوم التوحيد إلى مستويات عالية من الرقي وصلت ذروتها في النسق الإسلامي.
ويتسم الساميون، حتى وهم بعد في أدنى مراحل البداوة، بمقدرتهم الفائقة على الامتزاج بالعناصر البشرية المحلية في الأماكن التي غزوها واستوطنوها واستوعبوا حضارتها دون أن يتخلوا عن سمات حضارتهم الأولى. وتاريخ العبرانيين يتراوح بين عدد من الثنائيات المتناقضة من القيم: البساطة والتركيب، والمساواة والتفاوت، والجماعية والفردية. وقد تجلى هذا في الحضارة العبرانية في الموقف المتناقض من مؤسسة الملكية العبرانية وفي الصراع بين الأنبياء والكهنة، وبين التوحيد والحلولية.
ويُعَدُّ العرب أكثر الجماعات السامية قرباً مما يمكن تسميته «الخطاب الحضاري السامي الأصلي» . كما أن اللغة العربية أقرب اللغات الحية إلى السامية الأصلية. ومع هذا، ينصرف مصطلح «معاداة السامية» إلى اليهود دون سواهم.