ومن أهم المشاكل التي واجهها العبرانيون في تاريخهم القصير، توجههم السياسي في عهد الإمبراطوريات الكبرى الآشورية والبابلية والمصرية والفارسية واليونانية والرومانية، إذ كان عليهم أن يتحالفوا مع جيرانهم الآراميين أو غيرهم، كما كان عليهم أن يقبلوا حماية إحدى القوى العظمى لضمان البقاء.
ونتيجةً لافتقار العبرانيين إلى الهوية الحضارية المحددة، ولضعفهم السياسي ووجودهم ككيان شبه مستقل في موقع إستراتيجي، كانت كل القوى العظمى تطمح إلى الاستيلاء عليه وإلى تأمين وجود عنصر موالٍ لها فيه، كما أنهم تعرضوا لصدمات كثيرة بدأت بالتهجير الآشوري (٧٢١ ق. م) فالبابلي (٥٨٧ ق. م) ثم فُرضت عليهم الهيمنة الفارسية واليونانية والرومانية. وتأثرت هويتهم الحضارية بذلك، فتركوا العبرية وتحدثوا بالآرامية بعد التهجير البابلي. ثم بدأ انتشار الجماعات اليهودية بعيداً عن كنعان، فتكوَّن تَجمُّع في بابل ثم في الإسكندرية، وهما التجمعان اللذان أصبح لهما استقلالهما وحريتهما ولغتهما وتفكيرهما المستقل، بل تجاوزا في أهميتهما أحياناً التجمع الموجود في كنعان. ولذلك، فحينما حطَّم تيتوس الهيكل (٧٠م) ، لم تكن هذه الواقعة ذات دلالة كبيرة من الناحية السكانية فهي لم تكن متعارضة مع الوضع السكاني الحضاري القائم بالفعل، وهو اختفاء الهوية العبرانية وظهور جماعات يهودية متفرقة في أنحاء العالم تستقي كل منها هويتها من الحضارة التي تنتمي إليها.
ورغم هذا، نجد أن معظم الدراسات لا تُفرّق بين تاريخ العبرانيين والتواريخ اللاحقة للجماعات اليهودية، متأثرةً في ذلك بالرؤية الإنجيلية التي تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً مقدَّساً، وهي رؤية تخلط التاريخ الدنيوي بالتاريخ المقدَّس.