للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنسان في المنظومة الحلولية الواحدية ليس دالاً يشير إلى مدلوله الإنساني، وإنما هو دال بلا مدلول يحاول أن يتجسد من خلال مدلول متجاوز عن طريق الالتصاق بمصدر القداسة وعن طريق التوحد به. وإذا كانت الشعائر في المنظومة التوحيدية تعبيراً عن طاعة الإله، فهي في المنظومة الحلولية وسيلة التوحد معه والالتصاق به، وهي في آخر الأمر تعبير عن رغبة الإنسان في أن تكون إرادته من إرادة الخالق حتى يمكنه التحكم في الكون - ومن هنا ارتباط القداسة في المنظومة الحلولية الواحدية بالسحر. وترتبط القداسة في هذه الحالة بالقوة التأثيرية الشاذة التي تتجاوز المقدرات الإنسانية العادية، ويحاول الإنسان أن يظفر بأكبر قسط من المنفعة من خلال قوته السحرية، وخصوصاً في الأمور التي يرى نفسه عاجزاً عن بلوغها بجهده الخاص: الانتصار في الحرب - التنبؤ والاستخارة - القوة الشافية - الخصوبة الإنجابية - الخصوبة الإنتاجية ... إلخ.

وكما أسلفنا، يحاط الشيء المقدَّس بمجموعة من المحرمات الطقسية. ولذا، لابد من القيام بطقوس تطهرية. ولأن القداسة تأخذ شكل مادة في المنظومة الحلولية الواحدية، فإن الشيء المقدَّس الذي يحوي القداسة داخله لابد أن يُعزَل تماماً عن العالم غير المقدَّس حوله (وإلا، فإن شحنة القداسة الموجبة قد تضيع وتحيَّد بسبب شحنة الدناسة السالبة) . ويبالغ الشعب المقدَّس في شعائر الطهارة وفي عزل نفسه عن الآخر لنفس السبب. فالشيء المقدَّس والشعب المقدَّس يصبحان بذلك تجسداً لمصدر القداسة وتجلياً له وليس إشارة إليه. ولعل الفرق بين القرآن الذي يقرؤه المؤمن والحجاب الذي يصنعه الكاهن هو فرق بين الخشوع لله والإيمان بقدرته من جهة والرغبة في الالتصاق به والتحكم فيه من جهة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>