وعلى أية حال، يمكن تحديد بعض السمات الأساسية لهذه الفترة، ويبدو أن العبرانيين كانوا أساساً شعباً رعوياً متجولاً من مكان إلى آخر، يضرب خيامه على حواف المدن الكنعانية (تكوين ١٢/٦، ٣٣/١٨، ٣٥/٢١، ٢٦/٢٥، ١٤/١٨ - ٢٠) ويتمتع برعاية الملوك الكنعانيين. وثمة نظرية أخرى تقول إنهم لم يكونوا رعاة وإنما كانوا يعيشون من الأرباح التي يحققونها من التجارة، وأنهم كانوا يوجدون على طرق القوافل، وأنهم باعتبارهم شعباً متجولاً لم يكونوا منعزلين إثنياً. وهؤلاء يرون أن أصول الآباء ترجع إلى الآراميين، بل إن قبيلتين من القبائل العبرانية كانتا تريان أن دماء مصرية تجري في عروقهما، فقبيلتا إفرايم ومنَسَّى، تنتسبان إلى ابنى يوسف من زوجته المصرية حيث لم يكن التزوج من الأجنبيات أمراً مُحرَّماً بعد، فإبراهيم يتزوَّج هاجر المصرية ويهودا يتزوج كنعانية. وكما تقدَّم، فقد تزوَّج يوسف مصرية، وتزوَّج موسى مَدْيَنية.
والخلفية الحضارية لفترة الآباء خلفية سامية سديمية، فمن أور الكلدانية أو حران انتقل إبراهيم إلى كنعان لشراء مقبرة، ثم استقر في مصر بعض الوقت، ثم خرج منها. وكذا خرج يعقوب إلى مصر واستقرّ فيها هو وأبناؤه، ثم خرجوا مرة أخرى إلى كنعان واستقرُّوا مع القبائل العبرانية التي لم تكن قد غادرتها. وثمة روابط كثيرة تربط الآباء بالآراميين والمصريين.
ولم تكن حضارة العبرانيين في تلك الفترة بدائية، ولكنها لم تكن قط أصيلة أو فريدة. ولأنهم شعب متجوِّل، لم تكن لهم هوية حضارية محدَّدة بعد، إذ لم يكونوا يخضعون لأطر سياسية أو كهنوتية ثابتة، ولا ينتمون لتراث حضاري مركب كما كان الحال مع شعوب المنطقة. لكن كان في مقدورهم استيعاب جوانب من حضارات المنطقة بسهولة ويسر، وخصوصاً أن بنية التجمُّع العبراني في ذلك الوقت كانت تشبه في كثير من الوجوه البناء القبلي للشعوب السامية الأخرى.