ويمكن القول، على مستوى من المستويات، بأن الصهيونية هي علمنة للعبادة القربانية الحلولية، فقد جعلت من الدولة شيئاً يشبه الهيكل القديم (يطلق الصهاينة على إسرائيل مصطلح «الهيكل الثالث» ) ، حل فيها الإله وهي محط اهتمامهم أينما وُجدوا، ولا يهم إن كانوا يعبدون الإله أو لا وإنما المهم هو تقديم القرابين إلى هذا الوثن الجديد. وتأخذ القرابين الآن شكل شيك يُدفَع للمنظمة الصهيونية العالمية فيما يُسمَّى «يهودية دفتر الشيكات» . وقد تحولت المعابد اليهودية إلى ما يشبه الفروع للهيكل الجديد في محاولة لتجنيد اليهود للعبادة القربانية الجديدة.
ولعل نجاح هذه العبادة يعود إلى أنها تستطيع التعايش مع الرؤية العلمانية الشاملة، فهي لا تتحداها ولا تطلب إلى المؤمن أن يغيِّر سلوك حياته. وعلى كلٍّ، فإن كليهما يرى القداسة شيئاً كامناً في المادة غير متجاوز لها. وقد سجَّل كثير من الحاخامات احتجاجهم على هذا الاتجاه الذي سيودي بالديانة اليهودية كعقيدة، إذ أن يهود الولايات المتحدة يعبِّرون عن يهوديتهم لا عن طريق الإيمان بالقيم الدينية اليهودية أو الالتزام بها وإنما عن طريق تقديم القربان/الشيك. وقد أطلق أحد الحاخامات على الصهاينة لقب «يهود النفقة» ، وهو ما يعني أن اليهود يدفعون نفقة لمطلقتهم، ربما لاتقاء شرّها!