للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثمة نظرية تذهب إلى أن أسرة هارون كانت أصلاً أسرة كهنوتية مصرية. وقد ظهر تَوتُّر بينهم وبين بقية أعضاء القبيلة بسبب احتكارهم أهم الشعائر. ولكن الفريقين اندمجا بمرور الزمن وأصبح الكهنة العمود الفقري لليهودية، وخصوصاً بعد إنشاء الهيكل وتَمركُز العبادة القربانية حوله.

وكانت الكهانة، باعتبارها السلطة الدينية، متداخلة تماماً مع السلطة الدنيوية كما هو الحال في عصر القضاة (حوالي ١٢٥٠ ـ ١٠٢٠ ق. م) . وبظهور حكم الملوك، أصبح رئيس الدولة هو الكاهن الأعظم. ولكنه، نظراً لانشغاله كان يُعيّن مندوبين عنه لممارسة هذه المهمة، فبدأ يظهر شيء من الانفصال بين السلطتين. ومع هذا، ظل الكهنة (ممثلو العبادة القربانية ومصدر أكبر دخل للدولة) قريبين من السلطة الدنيوية ومرتبطين بها أشد الارتباط. ولذا، كان الصراع ينشب دائماً بينهم وبين الأنبياء، وهم مفكرون دينيون أحرار جاءوا أساساً من صفوف الشعب.

وقد زاد تداخل السلطة الدنيوية والسلطة الدينية في مرحلة ما بعد العودة من بابل إذ اضطلع كبير الكهنة بوظائف دنيوية باعتباره ممثلاً محلياً للقوة الإمبراطورية الحاكمة. كما اضطلع الكهنة بمعظم الوظائف الإدارية والسياسية نظراً لعدم ثقة الفرس في أبناء الأسرة الحاكمة العبرانية. واستمر نفوذ الكهنة في الإمبراطورية اليونانية قوياً، سواء في الشام أو في مصر، إذ كانوا يلعبون دوراً أساسياً في الحضارة الهيلينية. وكان الكاهن الأكبر يُعيَّن مدى الحياة. ولكن أنطيوخوس الرابع (السلوقي) (١٧٥ ـ ١٦٤ ق. م) أنهى هذه العادة، وأصبح من الممكن خلع الكاهن الأكبر وتعيين كاهن آخر. وقد ظهرت طبقة من الكهنة المتأغرقين الذين قاموا على خدمة الدولة الهيلينية، فأضعف هذا الوضع هيبة الكهنة وسلطانهم. ذلك أن الكهنة في الحضارة الهيلينية رغم أهميتهم، كانوا يُعَدّون بمنزلة الخدم لا القادة. وقد انعكس هذا على مكانة الكهنة اليهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>