للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُلاحَظ أن الاستقطاب الطبقي الذي كان يسم المجتمع العبراني اليهودي في ذلك الوقت، انعكس في صفوف الكهنة، وقوَّض نفوذ المؤسسة الكهنوتية في الداخل، فكانت الأرستقراطية الكهنوتية المتأغرقة (التي كانت تقيم في القدس) تختلف كثيراً في موقفها وموقعها عن فقراء الكهنة الذين كانوا يعيشون في الريف (السامي الآرامي) على عملهم وعلى الصدقات. وأثناء التمرد اليهودي الأول (٦٦ ـ ٧٠) ، حينما سيطر الغيورون على القدس، قاموا بطرد الكهنة وذبحوا بعضاً منهم واختاروا كاهناً أكبر من بين فقراء الكهنة. ولذا، حينما هدم تيتوس الهيكل عام ٧٠م، كانت الأوضاع التاريخية مواتية تماماً لاختفائهم ولظهور الحاخام باعتباره شخصية أساسية بين اليهود. ولعل أهم الأسباب الأخرى لاختفائهم هو تدوين الشريعة، إذ أصبح الكتاب المقدَّس مركز العبادة بدلاً من العبادة القربانية.

وقد لعب الكهنة دوراً مهماً في تطوير اليهود واليهودية إذ وضعوا أنفسهم وسطاء بين الناس والإله، فلم تكن تُقبَل توبة ولا قرابين إلا إذا باركها الكاهن لأن مفتاح السماء كان في يده، ولم يكن أحد غيرهم يستطيع تفسير الطقوس أو الشعائر الدينية تفسيراً آمناً من الخطأ. وكانوا يفصلون في الأمور القضائية عن طريق استخارة الرب ويضطلعون بدور الطبيب (الساحر) الذي يشفي الأمراض. وكان فريق منهم يحمل تابوت العهد أثناء تجوال العبرانيين وحروبهم، ثم أصبحوا بعد ذلك كهنة الهيكل. ويبدو أن الكهنة مرتبطون بالعناصر الوثنية داخل النسق الديني اليهودي، فقبيلة لاوي كانت تقدِّس الحية. وقد أُدخل هذا التقديس على اليهودية، فأقاموا تمثالاً نحاسياً لها زاعمين أنها من عمل موسى، إلى أن أزالها حزقيا بن آحاز (ملوك ثاني ١٨/٤) . كما نقل الكهنة كثيراً من العقائد الوثنية كتقديس بعض المرتفعات والأشجار، وهي عملية تركت أثرها في اليهودية.

<<  <  ج: ص:  >  >>