ووجدت هذه النظرية صدى لدى قيادات البوند، خصوصاً أن التأكيد على الخصوصية اكتسب شيئاً من الشرعية الماركسية من القرار الذي اتخذه الحزب الديموقراطي الاشتراكي في النمسا، والذي بمقتضاه غيَّر الحزب بنيته من حزب مركزي إلى حزب فيدرالي قومي يتفق بناؤه مع التعددية القومية التي كانت تسم النمسا آنذاك. كما أن الواقع الفعلي لكثير من أعضاء الحزب كان يؤكد أنهم أقلية قومية شرق أوربية (يديشية) لها لغتها وهويتها الثقافية الخاصة. وقد ساهم التحديث المتعثر في روسيا القيصرية في هذه الآونة في دعم هذه الهوية وفي تعميق كثير من أبعادها، ولعل هذا يُفسِّر سبب تَرعرُع الثقافة اليديشية وازدهارها. وقد أعلن البوند في مؤتمره الرابع عام ١٩٠١ أن اليهود يشكلون أقلية إثنية لا دينية وأن مصطلح أمة (كما هو مستخدم في روسيا) ينطبق عليهم. وهنا تبدأ الفترة الثانية من المرحلة الأولى، حيث دعا الحزب إلى إعادة تأسيس روسيا كاتحاد فيدرالي من القوميات مع إدارة ذاتية قومية كاملة لكل أمة دون إشارة إلى الإقليم الذي تسكنه. ومع هذا، تقرر ألا يقوم البوند بحملة من أجل الإدارة الذاتية اليهودية حتى لا يتضخم الشعور القومي لدى أعضاء الجماعة اليهودية، الأمر الذي قد يمُيِّع الوعي الطبقي للعمال. ولكن هذا التحفظ الأخير لم يُطبَّق، وأُلغي رسمياً في المؤتمر السادس (عام ١٩٠٥) . وكان البوند قد أكد في مؤتمره الخامس (عام ١٩٠٣) حقه كممثل للعمال اليهود في أن يضيف إلى برنامج الحزب الاشتراكي الديموقراطي العام مواد لا تتعارض مع ذلك البرنامج، وتتوجه في الوقت نفسه إلى مشاكل العمال اليهود الخاصة. واقترح البوند على مؤتمر الحزب الاشتراكي عام ١٩٠٣ الاعتراف بأعضاء الجماعة كأقلية قومية روسية لها حق الإدارة الذاتية مثل بقية الأقليات. لكن الطلب رُفض، فانسحب ممثلو البوند.