إن هذا العنصر الغريب إثنياً (والذي أصبحت غربته قانونية كما سنبين فيما بعد) كان يلعب دور الجماعة الوظيفية الوسيطة، كما كان الحال في معظم دول أوربا حتى القرن الثامن عشر وفي شرق أوربا حتى القرن التاسع عشر. ولكن الوضع في رومانيا كان متميِّزاً، إذ كان أكثر حدةً ووضوحاً عنه في أي بلد آخر، وذلك بسبب تخلُّف المجتمع واتساع الهوة بين النبلاء والأقنان وافتقار رومانيا إلى طبقة وسطى. وقد ترك هذا الوضع أثره العميق في أعضاء الجماعة اليهودية، وفي أسلوب حياتهم ومناطق سكناهم وبنائهم الوظيفي والمهني.
كان معظم يهود رومانيا يتركزون في المدن. وحسب إحصاء عام ١٨٩٩، كان ٧٩.٧٣% منهم يعيشون في المدن ويكوِّنون ٣٢.١٠% من سكان المدن في رومانيا، ولم يكن يقطن سوى ٢٠% منهم في القرى، وكانت نسبتهم لا تزيد على ١.١% من عدد سكانها. وفي مولدافيا، كان اليهود يكوِّنون أغلبية السكان في بعض المدن فبلغ عددهم ٥٧% من عدد سكان فاليتسيني، و٥٠% من سكان جاسي. وكانت نسبتهم أكثر من ذلك في المدن الصغيرة، فكانوا ٦٦.٢% في جرتسا و٦٥.٦% في ميهايليني، وهذا يعني أنهم كانوا في عزلة عن السواد الأعظم من الشعب الروماني. كما كان ٨٤% من السكان الفلاحين يعيشون في الريف. وكان اليهود هم الجماعة الوظيفية الوسيطة التي تشغل الفراغ الذي خلفه غياب الطبقة الوسطى المحلية، فتدل إحصاءات عام ١٩٠٤ على أن ٢١% من مجموع التجار كانوا يهوداً. وفي مدن مثل جاسي، كان أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون ٧٥% من جملة التجار و٢٠% من مجموع الحرفيين. وتركَّز اليهود في بعض الحرف، فكانوا يشكلون ٨١.٣% من مجموع النقاشين أو الحفارين على الخشب والمعادن و٧٦% من السباكين و٧٥.٩% من صانعي الساعات و٧٤.٦% من مجلدي الكتب و٦٤% من صناع القبعات و٦٤% من المنجدين.