وبعد ذلك، سقطت المملكة الجنوبية في يد البابليين الذين هجَّروا بدورهم زعماءها، وسمحوا لعناصر أخرى (أدومية ونبطية وعمونية) بالاستيطان، وهذا ما يمكن تسميته «التهجير البابلي» ويُسمَّى في المصطلح الديني اليهودي «السبي البابلي»(٥٨٧ ق. م) . وقد حمل البابليون، فيما حملوا من غنائم، أواني الهيكل التي كانت تشبه رموز الدولة أو رمز الشرعية السياسية الدينية. وظلت هذه الجماعة العبرانية في بابل إلى أن هزم قورش الإمبراطورية البابلية وسمح لهم بالعودة عام ٥٣٨ ق. م للأسباب السياسية نفسها التي نُفوا من أجلها، أي ضرورة توطين عنصر سكاني موالٍ له في فلسطين (وهي نفس السياسة التي اتبعها الاستعمار الغربي في أواخر القرن التاسع عشر حينما تَبَنَّى الحل الصهيوني) .
وقد استمرت فترة التهجير البابلي حوالى خمسين عاماً، وإن كان هناك رأي يذهب إلى أنها حوالي سبعين عاماً. ونحن لا نعرف عدد المهجَّرين على وجه الدقة. ويُقال إن عددهم كان عشرة آلاف أو عشرين ألفاً، أو أربعين ألفاً في تقدير آخر. وكان مركزهم الأساسي تل أبيب (في العراق) . وكان ضمن المنفيين النبيان إرميا وحزقيال. ويجدر هنا إبراز عدة أمور:
أولها: أن التهجير قد شمل عناصر بشرية أخرى كثيرة من أرض كنعان وآرام من غير العبرانيين.
ثانيها: أنه لا التهجير الآشوري ولا التهجير البابلي ترك أراضي فلسطين خراباً، فقد بقي سكان يُعدُّون بمئات الألوف من السكان الأصليين (العبرانيين أوغيرهم) ، وخصوصاً أن الريف بشكل عام لم يكد يُمَس.
ثالثها: هذا التهجير أو السبي لم يكن رهيباً على نحو ما تصوِّره بعض الكتابات اليهودية حتى بالقياس إلى ظروف تلك الأيام.