قبل تَناول الجوانب الإدارية والاقتصادية لوجود أعضاء الجماعة اليهودية في الدولة الإسلامية، قد يكون من المفيد أن نقول إن الحضارة الإسلامية، شأنها شأن معظم الحضارات الشرقية القديمة، تقبل التنوع وعدم التجانس بدرجة أعلى من الحضارة الغربية. فالإمبراطوريات الشرقية كانت تسود فيها إحدى الجماعات الإثنية، ولكنها لم تكن تستوعب الجماعات الأخرى، وإنما كانت تحدِّد حقوقها وحدودها وواجباتها وحسب. وكانت الجماعة السائدة تُعرِّف هويتها، في العادة، من المنظورين الإثني والديني. أما الجماعة السائدة في الدولة الإسلامية، فقد عرفت نفسها (من الناحية النظرية) على أساس ديني وحسب، وهو أمر يشكل انفتاحاً كبيراً ويحقق فرصاً أكبر للحراك الاجتماعي وللانتماء. ومن المهم أن نشير إلى أن الإسلام أكد وحدة الأديان (على الأقل من الناحية النظرية والمثالية) وجعل إبراهيم أباً للموحِّدين، أباً لكل الأديان. ورغم الاصطدام الذي حدث بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) واليهود، فإن اليهود لم يتحولوا (في الرؤية الإسلامية للكون) إلى الآخر أو القتلة، كما حدث في المسيحية حين ارتبط اليهود بحادثة الصلب التي يشار إليها بعبارة «قتل الرب» ، بل ظلوا أهل ذمة وأهل كتاب. بل يمكن القول بأن اليهود كانوا أحسن حظاً من المسيحيين إذ أن القوة المضادة للفتح الإسلامي كانت الدولة الفارسية (المجوسية) التي تم القضاء عليها بسرعة، ثم الدولة الرومانية الشرقية (المسيحية) التي استمرت الحرب معها سجالاً عدة قرون. ومعنى هذا أنه لم تكن هناك قوة يهودية دولية مضادة.