ومع هذا، فمن الضروري إضافة أن التسامح والعدل كانا يسمان فترات الاستقرار والانتصار، كما كانت تتسم بهما سياسة الحكومات في وسط العالم الإسلامي. أما في فترات التراجع، حيث كان يخشى فيها المسلمون من الغزو الخارجي، وفي الأطراف (المغرب، إيران ... إلخ) حيث كانت مهددة دائماً بالغزو؛ أي في الأمكنة والأزمنة التي تهتز فيها ثقة الأمة بنفسها وبمقدرتها، فإن التسامح لم يكن صفة ملازمة لسلوك الدولة، كما لم يكن العدل ديدنها بالضرورة، فكانت تَصدُر تشريعات خاصة للتمييز ضد الذميين في الزي وخلافه مما يتطلبه أمن الدولة. ولكن من المعروف أيضاً أن مثل هذه التشريعات صدرت في بعض الأحيان التي ازداد فيها التمازج والاندماج بين المسلمين والذميين، فكان الفقهاء الذين يخشون على الهوية الإسلامية أو على السلطة الإسلامية يطلبون استرجاع مثل هذه التشريعات، وكانت الدولة تؤيدهم في ذلك لأنه يسهّل عملية تسيير دفة الحكم، ولأسباب أخرى.
ويمكن القول بأن وضع اليهود السياسي والقانوني كان يشبه، من بعض الوجوه، وضعهم في الإمبراطوريات القديمة، وخصوصاً الإمبراطورية الفارسية الساسانية، في فترات ازدهارها. وقد استمرت المؤسسات الدينية والإدارية التي ظهرت إبّان عصر الإمبراطورية الساسانية حيث كان يتولى قيادة الجماعة رئيس يُسمَّى رأس الجالوت «المنفى» يختاره أعضاء الجماعة اليهودية بأنفسهم؛ له السلطة الكاملة على أبناء جماعته ويقوم بتنظيم العلاقات فيما بين أبناء الجماعة من ناحية وبينهم وبين الدولة من ناحية أخرى. وقد اعترف المسلمون بمنصب رأس الجالوت.